وقوله (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) بدل من قوله (لِيَقْضِيَ) بإعادة الحروف ، أو هو متعلق بقوله (مَفْعُولاً).
والمراد بالهلاك والحياة هنا ما يشمل الحسى والمعنوي منهما.
والمراد بالبينة الحجة الظاهرة الدالة على حقية الإسلام وبطلان الكفر.
قال الآلوسى : أى : ليموت من يموت عن حجة عاينها ، ويعيش من يعيش عن حجة شاهدها ، فلا يبقى محل للتعلل بالأعذار ، فإن وقعة بدر من الآيات الواضحة والحجج الغر المحجّلة.
ويجوز أن يراد بالحياة : الإيمان ، وبالموت : الكفر على سبيل الاستعارة أو المجاز المرسل بأن يراد بالبينة : إظهار كمال القدرة الدالة على الحجة الدامغة.
أى : ليصدر كفر من كفر وإيمان من آمن عن وضوح وبينة وإلى هذا ذهب قتادة وابن إسحاق. والظاهر أن (عَنْ) هنا بمعنى بعد كقوله ـ تعالى ـ (عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ).
وقرأ نافع وابن كثير وأبو بكر ويعقوب حيي على وزن تعب ـ بفك الإدغام. وقرأ الباقون بإدغام الياء الأولى في الثانية على وزن شد ومد (١).
وقوله (وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) تذييل قصد به الترغيب في الإيمان ـ والترهيب من الكفر ، أى : وإن الله لسميع لأقوال أهل الإيمان والكفر عليم بما تنطوى عليه قلوبهم وضمائرهم ، وسيجازى ـ سبحانه ـ كل إنسان بما يستحقه من ثواب أو عقاب على حساب ما يعلم وما يسمع منه.
ثم يبين ـ سبحانه ـ بعض وجوه نعمه على المؤمنين ، وتدبيره الخفى لنصرهم وفوزهم فيقول : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً ، وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ ، وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ).
أى : اذكر يا محمد فضل الله عليك وعلى أصحابك ، حيث أراك في منامك الكافرين قليلا عددهم ، ضئيلا وزنهم فأخبرت بذلك أتباعك فازدادوا ثباتا واطمئنانا وجرأة على عدوهم (وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً) أى : ولو أراك الأعداء عددا كثيرا (لَفَشِلْتُمْ) أى : لتهيبتم الإقدام عليهم ، لكثرة عددهم ، من الفشل وهو ضعف مع جبن (وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ) أى : في أمر الإقدام عليهم والإحجام عنهم. فمنكم من يرى هذا ومنكم من يرى ذلك.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٧ ـ بتصرف وتلخيص.