بالشرك في هذه الآية ، وبالكفر في آية تالية في السياق لمجرد أنهم تلقوا منهم الشرائع فأطاعوها واتبعوها ـ فهذا وحده دون الاعتقاد والشعائر يكفى لاعتبار من يفعله مشركا بالله ، الشرك الذي يخرجه من عداد المؤمنين ، ويدخله في عداد الكافرين.
إن النص القرآنى يسوى في الوصف بالشرك واتخاذ الأرباب من دون الله ، بين اليهود الذين قبلوا التشريع من أحبارهم وأطاعوه واتبعوه ، وبين النصارى الذين قالوا بألوهية المسيح اعتقادا وقدموا إليه الشعائر في العبادة (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يهدف إليه أهل الكتاب من وراء أقاويلهم الكاذبة ، ودعاواهم الباطلة فقال : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ ، وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).
والمراد بنور الله : دين الإسلام الذي ارتضاه. سبحانه ـ لعباده دينا وبعث به رسوله ، صلىاللهعليهوسلم ، وأعطاه من المعجزات والبراهين الدالة على صدقه ، وعلى صحته ما جاء به مما يهدى القلوب ، ويشفى النفوس ، ويجعلها لا تدين بالعبادة والطاعة إلا لله الواحد القهار.
وقيل المراد بنور الله : حججه الدالة على وحدانيته ـ سبحانه ـ وقيل المراد به ، القرآن ، وقيل المراد به : نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم وكلها معان متقاربة.
والمراد بإطفاء نور الله : محاولة طمسه وإبطاله والقضاء عليه ، بكل وسيلة يستطيعها أعداؤه ، كإثارتهم للشبهات من حول تعاليمه ، وكتحريضهم لأتباعهم وأشياعهم على الوقوف في وجهه ، وعلى محاربته.
والمراد بأفواههم. أقوالهم الباطلة الخارجة من تلك الأفواه التي تنطق بما لا وزن له ولا قيمة.
والمعنى : يريد هؤلاء الكافرون بالحق من أهل الكتاب أن يقضوا على دين الإسلام ، وأن يطمسوا تعاليمه السامية التي جاء بها نبيه صلىاللهعليهوسلم عن طريق أقاويلهم الباطلة الصادرة عن أفواههم من غير أن يكون لها مصداق من الواقع تنطبق عليه ، أو أصل تستند إليه ، وإنما هي أقوال من قبيل اللغو الساقط المهمل الذي لا وزن له ولا قيمة ...
قال الآلوسى ما ملخصه : في الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبه ـ سبحانه ـ حال أهل
__________________
(١) راجع تفسير «في ظلال القرآن» ج ١٠ ص ٢٠٣ للأستاذ سيد قطب. طبعة دار إحياء التراث العربي الطبعة الخامسة.