وقوله : (وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ) معطوف على قوله (أَحْبارَهُمْ) والمفعول الثاني بالنسبة إليه محذوف أى : اتخذوه ربا وإلها.
قال صاحب المنار ما ملخصه : جمع ـ سبحانه. بين اليهود والنصارى في اتخاذ رجال دينهم أربابا بأن أعطوهم حق التشريع فيهم : وذكر بعد ذلك ما انفرد به النصارى دون اليهود من اتخاذهم المسيح ربا وإلها يعبدونه واليهود لم يعبدوا عزيرا ، ولم يؤثر عمن قال منهم إنه ابن الله ، أنهم عنوا ما يعنيه النصارى من قولهم في المسيح : إنه هو الله الخالق المدبر لأمور العباد» (١).
وقوله : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) جملة حالية أى : اتخذ هؤلاء المفترون على الله الكذب من اليهود والنصارى أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، بأن أطاعوهم فيما يحلونه لهم وفيما يحرمونه عليهم ولو كان ذلك مخالفا لشرع الله ؛ وكذلك اتخذ النصارى المسيح ابن مريم ربا وإلها.
والحال أنهم جميعا ما أمروا على ألسنة رسلهم إلا بعبادة الله وحده ، فهو المعبود الذي لا تعنو الوجوه إلا له ، ولا يكون الاعتماد إلا عليه ، وكل ما سواه فهو مخلوق له.
وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) صفة ثانية لقوله (إِلهاً). أو هو استئناف بيانى لتعليل الأمر بعبادة الله وحده ، وأنه ـ سبحانه ـ هو المستحق لذلك شرعا وعقلا.
وقوله : (سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) تنزيه له عن الشرك والشركاء إثر الأمر بإخلاص العبادة له.
أى : تنزه الله ـ عزوجل ـ وتقدس عن الشركاء والنظراء والأعوان والأضداد والأولاد ، فهو رب العالمين ، وخالق الخلائق أجمعين ..
قال صاحب الظلال عند تفسيره لهذه الآية ما ملخصه : ومن النص القرآنى الواضح الدلالة ، ومن تفسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم للآية وهو فصل الخطاب ، ثم من مفهومات المفسرين الأوائل والمتأخرين ، تخلص لنا حقائق في العقيدة والدين ذات أهمية بالغة نشير إليها هنا بغاية الاختصار وهي : أن العبادة هي الاتباع في الشرائع بنص القرآن وتفسير الرسول صلىاللهعليهوسلم فاليهود والنصارى لم يتخذوا الأحبار والرهبان أربابا بمعنى الاعتقاد في ألوهيتهم ، أو تقديم الشعائر التعبدية إليهم ... ومع هذا فقد حكم الله ، سبحانه ، عليهم
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٤٢٦.