ومن بغض دفين لهم ، حتى إنهم لو وجدوا شيئا من هذه الأمكنة ـ التي هي منفور منها ـ لأسرعوا نحوها إسراعا شديدا.
ثم تمضى السورة بعد ذلك في الكشف عن الأقوال المنكرة ، والأفعال القبيحة التي كانت تصدر عن المنافقين فتقول.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللهِ راغِبُونَ)(٥٩)
قال الإمام الرازي : اعلم أن المقصود من هذا ، شرح نوع آخر من قبائحهم وفضائحهم ، وهو طعنهم في الرسول صلىاللهعليهوسلم بسبب أخذ الصدقات من الأغنياء ، ويقولون إنه يؤثر بها من يشاء من أقاربه وأهل مودته ، وينسبونه إلى أنه لا يراعى العدل ، (١).
هذا ، وقد ذكر المفسرون في سبب نزول هاتين الآيتين روايات منها :
ما أخرجه البخاري والنسائي عن أبى سعيد الخدري ـ رضى الله عنه ـ قال : بينما النبي صلىاللهعليهوسلم يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : «ويلك! ومن يعدل إذا لم أعدل»؟ ، فقال عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ : ائذن لي فأضرب عنقه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «دعه فإن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم في الرمية ...».
قال أبو سعيد ، فنزلت فيهم : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ..).
وروى ابن مردويه عن ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : «لما قسم النبي صلىاللهعليهوسلم غنائم حنين سمعت رجلا يقول : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله. فأتيت النبي صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٥٥.