وعند ما عاد الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة جاءه المتخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه .. وجئت إليه فقال : تعال .. ما خلفك؟! ألم تكن قد اشتريت ظهرا؟
فقلت يا رسول الله ؛ إنى لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر. والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم بحديث كاذب ترضى به عنى ، ليوشكن الله أن يسخطك على. ولئن حدثتك بصدق تغضب على فيه ، إنى لأرجو عقبى ذلك من الله ـ تعالى ـ والله ما كان لي من عذر.
قال صلىاللهعليهوسلم أما هذا فقد صدق. فقم حتى يقضى الله فيك. وكان هناك رجلان قد قالا مثل ما قلت هما مرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية.
قال : ونهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلامنا ، فاعتزلنا الناس وتغيروا لنا .. ولبثنا على ذلك خمسين ليلة .. ثم أمرنا أن نعتزل نساءنا ففعلنا.
قال : ثم صليت صلاة الصبح صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتها فبينا أنا على الحال التي ذكرها الله عنا ، قد ضاقت على نفسي .. سمعت صارخا يقول بأعلى صوته : أبشر يا كعب بن مالك.
وذهبت إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك. قال : وأنزل الله ـ تعالى ـ (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا ..) الآية.
قال الإمام ابن كثير بعد أن ساق هذا الحديث بتمامه : هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها» (١).
وبذلك نرى أن هاتين الآيتين قد ذكرتا جانبا من فضل الله على عباده ، حيث قبل توبتهم ، وغسل حوبتهم. إنه بهم رءوف رحيم.
ثم وجه ـ سبحانه ـ نداء إلى المؤمنين أمرهم فيه بأن يتقوا الله حق تقاته وأن يكونوا مع الصادقين ، وأوجب عليهم الغزو مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ووعدهم عليه بجزيل الثواب ، وتوعد المتخلفين عنه بشديد العقاب فقال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ
__________________
(١) راجع الحديث بتمامه في تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٩٧.