لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) كناية عن شدة تحيرهم ، وكثرة حزنهم ، واستسلامهم لحكم الله فيهم.
أى : حتى إذا ضاقت عليهم الأرض على سعتها ، بسبب إعراض الناس عنهم ، ومقاطعتهم لهم ، وضاقت عليهم أنفسهم ، بسبب الهم والغم الذي ملأها واعتقدوا أنهم لا ملجأ ولا مهرب لهم من حكم الله وقضائه إلا إليه.
حتى إذا كان أمرهم كذلك ، جاءهم فرج الله ، حيث قبل توبتهم ، وغفر خطأهم وعفا عنهم.
وقوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أى : بعد هذا التأديب الشديد لهم ، تقبل ـ سبحانه ـ توبتهم ، ليتوبوا إليه توبة صادقة نصوحا ، لا تكاسل معها بعد ذلك عن طاعة الله وطاعة رسوله ، إن الله ـ تعالى ـ هو الكثير القبول لتوبة التائبين ، وهو الواسع الرحمة بعباده المحسنين.
هذا ، والمقصود بهؤلاء الثلاثة الذين خلفوا : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ؛ وكلهم من الأنصار.
وقد ذكرت قصتهم في الصحيحين وفي غيرهما من كتب السنة والسيرة ، وهاك خلاصة لها : قال الإمام ابن كثير : روى الإمام أحمد أن كعب بن مالك قال ، لم أتخلف عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة غزاها قط إلا في تبوك.
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في غزوة تبوك. أنى لم أكن قط أقوى ولا أيسر منى حين تخلفت عنه في تلك الغزوة.
وغزا رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك الغزوة حين طابت الثمار والظلال ، وتجهز لها المؤمنون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم. فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا .. فأقول لنفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت .. ولم يزل ذلك شأنى حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فألحقهم ـ وليتني فعلت ـ ولكن لم يقدر لي ذلك.
ولم يذكرني رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى بلغ تبوك فقال : ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجل من بنى سلمة : حبسه برداه والنظر في عطفيه.
فقال معاذ بن جبل : بئسما قلت. والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا فسكت رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال كعب : فلما بلغني أن رسول الله قد توجه قافلا من تبوك ، حضرني بثي ، وطفقت أتذكر الكذب وأقول : بما ذا أخرج من سخطه غدا؟.