ولأن فيها النص على صحبته للرسول صلىاللهعليهوسلم ولم يثبت ذلك لأحد من الصحابة : لأنه هو المراد بالصاحب في قوله (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ) وهذا مما وقع عليه الإجماع.
ومن هنا قالوا : من أنكر صحبة أبى بكر فقد كفر ، لإنكار كلام الله ، وليس ذلك لسائر الصحابة (١).
وقد ساق الإمام الرازي ، والشيخ رشيد رضا ، عند تفسيرهما لهذه الآية اثنى عشر وجها في فضل أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ ، فارجع إليهما إن شئت (٢).
وبعد هذا التذكير للمؤمنين بما كان منه ـ سبحانه ـ من تأييد لرسوله عند هجرته ، أمرهم ـ جل شأنه ـ بالنفير في كل حال فقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً ، وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ، ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
قال الفخر الرازي ما ملخصه : اعلم أنه ـ تعالى ـ لما توعد من لا ينفر مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وضرب له من الأمثال ما وصفنا ، اتبعه بهذا الأمر الجازم فقال : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً).
والمراد : انفروا سواء كنتم على الصفة التي يخف عليكم الجهاد فيها ، أو على الصفة التي يثقل. وهذا الوصف يدخل تحته أقسام كثيرة.
منها : (خِفافاً) في النفور لنشاطكم له ، و (ثِقالاً) عنه لمشقته عليكم.
ومنها : (خِفافاً) لقلة عيالكم ، و (ثِقالاً) لكثرتها.
ومنها : (خِفافاً) من السلاح ، و (ثِقالاً) منه.
والصحيح ما ذكرنا ، إذ الكل داخل فيه ، لأن الوصف المذكور وصف كلى يدخل فيه كل هذه الجزئيات» (٣).
والمعنى : (انْفِرُوا) ـ أيها المؤمنون ـ (خِفافاً وَثِقالاً) أى : في حال سهولة النفر عليكم ، وفي حال صعوبته ومشقته.
(وَجاهِدُوا) أعداءكم ببذل أموالكم. وببذل أنفسكم (فِي سَبِيلِ اللهِ) أى : في سبيل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه ورسوله صلىاللهعليهوسلم فمن استطاع منكم الجهاد بالمال والنفس وجب عليه الجهاد بهما. ومن قدر على أحدهما
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٨٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ١٦ ص ٦٣. تفسير المنار ج ١٠ ص ٤١٧.
(٣) تفسير القرطبي ج ١٦ ص ٦٩.