وقراءة الجمهور برفع. (كَلِمَةَ) على الابتداء. وقوله (هِيَ) مبتدأ ثان : وقوله : (الْعُلْيا) خبرها ، والجملة خبر المبتدأ الأول.
ويجوز أن يكون الضمير (هِيَ) ضمير فصل ، وقوله (الْعُلْيا) هو الخبر وقرأ الأعمش ويعقوب (وَكَلِمَةُ اللهِ) بالنصب عطفا على مفعول جعل وهو (كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا).
أى : وجعل كلمة الذين كفروا السفلى ، وجعل كلمة الله هي العليا.
قالوا : وقراءة الرفع أبلغ وأوجه ، لأن الجملة الاسمية تدل على الدوام والثبوت ، ولأن الجعل لم يتطرق إلى الجملة الثانية وهي قوله : (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) لأنها في ذاتها عالية ثابتة ، بدون جعلها كذلك في حادثة معينة. بخلاف علو غيرها فهو غير ذاتى ، وإنما هو علو مؤقت في حالة معينة ، ثم مصيرها إلى الزوال والخذلان بعد ذلك.
وقوله : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) تذييل مقرر لمضمون ما قبله.
أى : والله ـ تعالى ـ (عَزِيزٌ) لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، ولا ينصر من عاقبه ناصر ، (حَكِيمٌ) في تصريفه شأن خلقه ، لا قصور في تدبيره ، ولا نقص في أفعاله.
هذا ، ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآية : الدلالة على فضل أبى بكر الصديق ـ رضى الله عنه ـ وعلى علو منزلته ، وقوة إيمانه ، وشدة إخلاصه لله ـ تعالى ـ ولرسوله صلىاللهعليهوسلم.
ومما يشهد لذلك ، أن الرسول صلىاللهعليهوسلم عند ما أذن الله له بالهجرة ، لم يخبر أحدا غيره لصحبته في طريق هجرته إلى المدينة.
ولقد أظهر الصديق ـ رضى الله عنه ـ خلال مصاحبته للرسول صلىاللهعليهوسلم الكثير من ألوان الوفاء والإخلاص وصدق العقيدة (١).
قال الآلوسى ما ملخصه : واستدل بالآية على فضل أبى بكر .. فإنها خرجت مخرج العتاب للمؤمنين ما عدا أبا بكر .. فعن الحسن قال : عاتب الله جميع أهل الأرض غير أبى بكر فقال : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) الآية.
__________________
(١) راجع قصة الهجرة في كتاب «السيرة النبوية» لابن هشام ج ٢ ص ٤٨٠ طبعة مصطفى الحلبي سنة ١٩٥٥.