والمراد بالجنود المؤيدين له. الملائكة الذين أرسلهم ـ سبحانه ـ لهذا الغرض : والضمير في قوله : (عَلَيْهِ) يعود إلى النبي صلىاللهعليهوسلم.
أى. فأنزل الله سكينته وطمأنينته وأمنه على رسوله صلىاللهعليهوسلم وأيده وقواه بجنود من الملائكة لم تروها أنتم ، كان من وظيفتهم حراسته وصرف أبصار المشركين عنه.
ويرى بعضهم أن الضمير في قوله (عَلَيْهِ) يعود إلى أبى بكر الصديق ، لأن الأصل في الضمير أن يعود إلى أقرب مذكور ، وأقرب مذكور هنا هو الصاحب ولأن الرسول لم يكن في حاجة إلى السكينة. وإنما الذي كان في حاجة إليها هو أبو بكر ، بسبب ما اعتراه من فزع وخوف.
وقد رد أصحاب الرأى الأول على ذلك بأن قوله (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الضمير فيه لا يصح إلا للنبي صلىاللهعليهوسلم وهو معطوف على ما قبله فوجب أن يكون الضمير في قوله (عَلَيْهِ) عائدا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم حتى لا يحصل تفكك في الكلام.
أما نزول السكينة فلا يلزم منه أن يكون لدفع الفزع والخوف ، بل يصح أن يكون لزيادة الاطمئنان ، وللدلالة على علو شأنه صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن كثير قوله (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) أى. تأييده ونصره عليه أى. على الرسول صلىاللهعليهوسلم في أشهر القولين. وقيل. على أبى بكر.
قالوا : لأن الرسول صلىاللهعليهوسلم لم تزل معه سكينة. وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ، ولهذا قال : (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) أى : الملائكة (١).
وقوله : (وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) بيان لما ترتب على إنزال السكينة والتأييد بالملائكة.
والمراد بكلمة الذين كفروا. كلمة الشرك ، أو كلمتهم التي اجتمعوا عليها في دار الندوة وهي اتفاقهم على قتل رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
والمراد بكلمة الله : دينه الذي ارتضاه لعباده ، وهو دين الإسلام ، وما يترتب على اتباع هذا الدين من نصر وحسن عاقبة ، أى : كانت نتيجة إنزال السكينة والتأييد بالملائكة ، أن جعل كلمة الشرك هي السفلى ، أى. المقهورة الذليلة. وكلمة الحق والتوحيد المتمثلة في دين الإسلام هي العليا أى : هي الثابتة الغالبة النافذة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٥٨.