وقد بسط هذا المعنى الإمام الرازي فقال ما ملخصه : فإن قيل : أليس قوله : (وَيُرِيدُ اللهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) ثم قوله بعد ذلك : (لِيُحِقَّ الْحَقَ) تكرارا محضا ، فالجواب : ليس هاهنا تكرير ؛ لأن المراد بالأول سبب ما وعد به في هذه الواقعة من النصر والظفر بالأعداء ، والمراد بالثاني ؛ تقوية القرآن والدين ونصرة هذه الشريعة ، لأن الذي وقع من المؤمنين يوم بدر بالكافرين ، كان سببا لعزة الدين وقوته ، ولهذا السبب قرنه بقوله (وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) الذي هو الشرك ، وذلك في مقابلة (الْحَقَ) الذي هو الدين والإيمان (١).
وإلى هنا نرى السورة الكريمة قد حدثتنا في الأربع الآيات الأولى منها عن حكم الله ـ تعالى ـ في غنائم بدر بعد أن اختلف بعض المؤمنين في شأنها ، وعن صفات المؤمنين الصادقين الذين يستحقون من الله ـ تعالى ـ أرفع الدرجات.
ثم حدثتنا في الأربع الآيات الثانية منها عن حال بعض المؤمنين عند ما دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم إلى قتال أعدائهم ، وعن مجادلتهم له في ذلك ، وعن إيثارهم المال على القتال ، وعن إرادة ما هو خير لهم في دنياهم وآخرتهم ، وفي ذلك ما فيه من العبر والعظات لقوم يعقلون.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعض مظاهر تدبيره المحكم في هذه الغزوة ، وبعض النعم التي أنعم بها على المؤمنين ، وبعض البشارات التي تقدمت تلك الغزوة أو صاحبتها ، والتي كانت تدل دلالة واضحة على أن النصر سيكون للمسلمين فقال ـ تعالى ـ :
(إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١)
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٢٨.