ونصرنا المؤمنين عليهم (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) على ذلك.
أى : فقد مضت سنة الله ـ تعالى ـ في الأولين ، وسنته لا تتخلف في أنه ـ سبحانه ـ يعذب المكذبين بعد إنذارهم وتبليغهم دعوته ، وينصر عباده المؤمنين وينجيهم ويمكن لهم في الأرض. وقد رأى هؤلاء المشركون كيف كانت عاقبة أمرهم في بدر ، وكيف أهلك ـ سبحانه ـ الكافرين من الأمم قبلهم.
وجواب الشرط لقوله (وَإِنْ يَعُودُوا) محذوف والتقدير : وإن يعودوا ننتقم منهم.
وقوله (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) تعليل للجواب المحذوف.
قال الآلوسى : قوله (فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) أى عادة الله الجارية في الذين تحزبوا على الأنبياء ، من نصر المؤمنين عليهم وخذلانهم وتدميرهم. وأضيفت السنة إليهم لما بينهما من الملابسة الظاهرة. ونظير ذلك قوله ـ سبحانه ـ (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا) فأضاف السنة إلى المرسلين مع أنها سنته لقوله ـ سبحانه ـ (وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلاً) باعتبار جريانها على أيديهم. ويدخل في الأولين الذين حاق بهم مكرهم يوم بدر.
والآية حث على الإيمان وترغيب فيه .. واستدل بها على أن الإسلام يجب ما قبله ، وأن الكافر إذا أسلم لا يخاطب بقضاء ما فاته من صلاة أو زكاة أو صوم أو إتلاف مال أو نفس. وأجرى المالكية ذلك كله في المرتد إذا تاب لعموم الآية ...» (١).
وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ..) أمر من الله ـ تعالى ـ للمؤمنين بقتال الكافرين إذا ما استمروا في كفرهم وطغيانهم.
والمعنى : عليكم ـ أيها المؤمنون ـ إذا ما استمر أولئك الكافرون في كفرهم وعدوانهم ، أن تقاتلوهم بشدة وغلظة ، وأن تستمروا في قتالهم حتى تزول صولة الشرك ، وحتى تعيشوا أحرارا في مباشرة تعاليم دينكم ، دون أن يجرأ أحد على محاولة فتنتكم في عقيدتكم أو عبادتكم .. وحتى تصير كلمة الذين كفروا هي السفلى.
قال الجمل : وقوله : (وَقاتِلُوهُمْ ..) معطوف على قوله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا). ولكن لما كان الغرض من الأول التلطف بهم وهو وظيفة النبي وحده جاء بالإفراد. ولما كان الغرض من الثاني تحريض المؤمنين على القتال جاء بالجمع فخوطبوا جميعا» (٢).
وقوله (فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أى : فإن انتهوا عن كفرهم وعن معاداتكم ، فكفوا أيديكم عنهم ، فإن الله ـ تعالى ـ لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ، وسيجازيهم عليها بما يستحقون من ثواب أو عقاب.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١ ص ٢٠٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٣ ص ٢٤٤.