وتلك الصورة قد تكون لثعلبة بن حاطب وقد تكون لغيره ، لأن المهم هو حصولها فعلا من بعض المنافقين.
وهذه الآيات ـ أيضا ـ تنطبق في كل زمان ومكان على من يقابل نعم الله بالكفران ، إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب المنار بقوله : هذا بيان لحال طائفة من أولئك المنافقين الذين أغناهم الله ورسوله من فضله بعد الفقر والإملاق ، ويوجد مثلهم في كل زمان ، وهم الذين يلجئون إلى الله ـ تعالى ـ في وقت العسرة والفقر ، أو الشدة والضر ، فيدعونه ويعاهدونه على الشكر له ، والطاعة لشرعه ، إذا هو كشف ضرهم ، وأغنى فقرهم. فإذا استجاب لهم نكسوا على رءوسهم ، ونكصوا على أعقابهم ، وكفروا النعمة ، وبطروا الحق ، وهضموا حقوق الخلق وهذا مثل من شر أمثالهم» (١).
ومعنى الآيات الكريمة : ومن المنافقين قوم «عاهدوا الله» وأكدوا عهودهم بالأيمان المغلظة فقالوا : «لئن آتانا» الله ـ تعالى ـ من فضله مالا وفيرا ، لنصدقن منه على المحتاجين ، ولنعطين كل ذي حق حقه ولنكونن من عباده «الصالحين» الذين يؤدون واجبهم نحو الله والناس ، والذين يصلحون في الأرض ولا يفسدون.
قال الجمل وقوله : (مَنْ عاهَدَ اللهَ) فيه معنى القسم ، وقوله : (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ) تفسير لقوله : عاهد الله. واللام موطئة لقسم مقدر. وقد اجتمع هنا قسم وشرط ، فالمذكور وهو قوله : «لنصدقن» .. جواب القسم ، وجواب الشرط محذوف ... واللام في قوله «لنصدقن» ... واقعة في جواب القسم (٢).
وقوله : (فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ) ... بيان لموقفهم الجحودى من عطاء الله وكرمه.
أى : فلما أعطى الله ـ تعالى ـ من فضله هؤلاء المنافقين ما تمنوه من مال وفير «بخلوا به» أى : بخلوا بهذا المال ، فلم ينفقوا منه شيئا في وجوهه المشروعة ، ولم يعترفوا فيه بحقوق الله أو حقوق الناس ، ولم يكتفوا بذلك بل «تولوا وهم معرضون».
أى : أدبروا عن طاعة الله وعن فعل الخير ، وهم قوم دأبهم التولي عن سماع الحق ، وشأنهم الانقياد للهوى والشيطان.
__________________
(١) تفسير المنار ج ١٠ ص ٦٤٦.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٠١.