فاتخذ ثعلبة غنما فنمت ، ثم ضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها حتى جعل يصلى الظهر والعصر في جماعة ويترك ما سواهما. ثم نمت وكثرت فتنحى حتى ترك الصلوات إلا الجمعة ، ثم ترك الجمعة ..
وأنزل الله ـ تعالى ـ قوله : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) فبعث الرسول صلىاللهعليهوسلم رجلين على الصدقة من المسلمين .. وقال لهما : «مرا على ثعلبة وعلى فلان. رجل من بنى سليم. فخذا صدقاتهما».
فخرجا حتى أتيا ثعلبة فسألاه الصدقة ، وأقرآه كتاب رسول الله. فقال : ما هذه إلا جزية ، ما هذه إلا أخت الجزية ، ما أدرى ما هذا؟ انطلقا حتى تفرغا ثم عودا إلى.
فانطلقا وسمع بهما السلمى «فنظر إلى خيار أسنان إبله فعزلها للصدقة. ثم استقبلهم بها. فلما رأوها قالوا له : ما يجب عليك هذا ، وما نريد أن نأخذ هذا منك. فقال : بل خذوها فإن نفسي بذلك طيبة ، فأخذاها منه ومرا على ثعلبة فقال لهما : أرونى كتابكما فقرأه فقال : ما هذه إلا جزية ... انطلقا حتى أرى رأيى.
فانطلقا حتى أتيا النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما رآهما قال : «يا ويح ثعلبة» قبل أن يكلمهما ، ودعا للسلمى بالبركة. فأخبراه بالذي صنعه ثعلبة معهما ..
فأنزل الله تعالى : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ..) الآيات.
فسمع رجل من أقارب ثعلبة هذه الآيات فذهب إليه وأخبره بما أنزل فيه من قرآن.
فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلىاللهعليهوسلم وسأله أن يقبل منه صدقته فقال له : إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك ..
ثم لم يقبلها منه بعد ذلك أبو بكر أو عمر أو عثمان ، وهلك ثعلبة في خلافة عثمان (١).
هذا ، وقد ضعف بعض العلماء هذا الحديث ، لأسباب تتعلق بسنده ، وبصاحب القصة وهو ثعلبة بن حاطب.
والذي نراه أن هذه الآيات الكريمة تحكى صورة حقيقية وواقعية لبعض المنافقين المعاصرين للعهد النبوي. والذين عاهدوا الله فنقضوا عهودهم معه ، وقابلوا ما أعطاهم من نعم بالبخل والجحود ..
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٧٤ ـ بتصرف وتلخيص.