الكتاب في محاولة إبطال نبوة النبي صلىاللهعليهوسلم عن طريق تكذيبهم له ، بحال من يريد أن ينفخ في نور عظيم مثبت في الآفاق ليطفئه بنفخه ..
وروعي في كل من المشبه والمشبه به معنى الإفراط والتفريط ، حيث شبه الإبطال والتكذيب بالإطفاء بالفم ، ونسب النور إلى الله ـ تعالى ـ العظيم الشأن.
ومن شأن النور المضاف إليه ـ سبحانه ـ أن يكون عظيما ، فكيف يطفأ بنفخ الفم (١) ..؟!!
وقوله : (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) بشارة منه ـ سبحانه ـ للمؤمنين ، وتقرير لسنته التي لا تتغير ولا تتبدل في جعل العاقبة للحق وأتباعه.
والفعل (يَأْبَى) هنا بمعنى لا يريد أو لا يرضى ـ أى : أنه جار مجرى النفي ، ولذا صح الاستثناء منه.
قال أبو السعود : وإنما صح الاستثناء المفرغ ـ وهو قوله (إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ). من الموجب ، وهو قوله (وَيَأْبَى اللهُ) ـ لكونه بمعنى النفي ، ولوقوعه في مقابلة قوله : (يُرِيدُونَ) ، وفيه من المبالغة والدلالة على الامتناع ما ليس في نفى الإرادة ، أى : لا يريد شيئا من الأشياء إلا إتمام نوره فيندرج في المستثنى منه بقاؤه على ما كان عليه ، فضلا عن الإطفاء.
وفي إظهار النور في مقام الإضمار مضافا إلى ضميره ـ سبحانه ـ زيادة اعتناء بشأنه ، وتشريف له على تشريف ، وإشعار بعلة الحكم» (٢).
وجواب (لَوْ) في قوله (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) محذوف لدلالة ما قبله عليه.
والمعنى : يريد أعداء الله أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، والحال أن الله ـ تعالى ـ لا يريد إلا إتمام هذا النور ، ولو كره الكافرون هذا الإتمام لأتمه ـ سبحانه ـ دون أن يقيم لكراهتهم وزنا.
فالآية الكريمة وعد من الله ، تعالى للمؤمنين بإظهار دينهم وإعلاء كلمتهم لكي يمضوا قدما إلى تنفيذ ما كلفهم الله به بدون إبطاء أو تثاقل ، وهي في الوقت نفسه تتضمن في ثناياها الوعيد لهؤلاء الضالين وأمثالهم.
ـ ثم أكد ـ سبحانه ـ وعده بإتمام نوره ، وبين كيفية هذا الإتمام فقال : (هُوَ الَّذِي
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٧٦ ـ بتصرف وتلخيص.
(٢) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٢٦٧. طبعة صبيح.