أى : ذلك الذي نزل بكم ـ أيها الكافرون ـ من الضرب وعذاب النار ، سببه ما قدمته أيديكم من عمل سىء ، وفعل قبيح ، وقول منكر ، وجحود للحق. وأن الله ـ تعالى ـ ليس بذي ظلم لكم ولا لغيركم ، لأن حكمته ـ سبحانه ـ قد اقتضت ألا يعذب أحدا إلا بسبب ذنب ارتكبه ، وجرم اقترفه.
فاسم الإشارة «ذلك» يعود إلى الضرب وعذاب الحريق ، وهو مبتدأ ، وخبره قوله (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ).
والمراد بالأيدى : الأنفس والذوات. والتعبير بالأيدى عن ذلك من قبيل التعبير بالجزء عن الكل.
وخصت الأيدى بالذكر ، للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته ، وأن أكثر الأفعال يكون عن طريق البطش بالأيدى. ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به ، والاتصال بذاته.
وقوله : (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) خبر لمبتدأ محذوف ، والجملة اعتراض تذييلى مقرر لمضمون ما قبله.
أى : ذلك الذي نزل بكم سببه ما قدمته أيديكم ، والأمر أن الله ـ تعالى ـ ليس بمعذب لعبيده من غير ذنب جنوه.
ويجوز أن يكون معطوفا على (ما) المجرورة بالباء. أى : ذلك بسبب ما قدمته أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد.
قال بعض العلماء : فإن قيل ما سر التعبير بقوله (بِظَلَّامٍ) بالمبالغة ، مع أن نفى نفس الظلم أبلغ من نفى كثرته ، ونفى الكثرة لا ينفى أصله ، بل ربما يشعر بوجوده ، وبرجوع النفي للقيد؟.
وأجيب بأجوبة :
منها : أنه نفى لأصل الظلم وكثرته ، باعتبار آحاد من ظلم ، كأنه قيل ظالم لفلان ولفلان وهلم جرا ، فلما جمع هؤلاء عدل إلى (بِظَلَّامٍ) لذلك ، أى : لكثرة الكمية فيه.
ومنها : أنه إذا انتفى الظلم الكثير ، انتفى الظلم القليل ، لأن من يظلم للانتفاع بالظلم ، فإذا ترك كثيره ، مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر ، كان لقليله مع قلة نفعه أكثر تركا.
ومنها : أن «ظلاما» للنسب كعطار ، أى : لا ينسب إليه الظلم أصلا.