ومنهم من يرى أن الضمير في قوله (عَلَيْهِمْ) وقوله : (تُنَبِّئُهُمْ) يعود على المؤمنين ، فيكون المعنى : يحذر المنافقون ويخشون من أن تنزل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين من أضغان وأحقاد وفسوق عن أمر الله.
وقد ذكر هذين الوجهين صاحب الكشاف فقال : والضمير في «عليهم» و «تنبئهم» للمؤمنين ، و «في قلوبهم» للمنافقين. وصح ذلك لأن المعنى يقود إليه.
ويجوز أن تكون الضمائر للمنافقين : لأن السورة إذا نزلت في معناهم ـ أى في شأنهم وأحوالهم ـ فهي نازلة عليهم. ومعنى «تنبئهم بما في قلوبهم» كأنها تقول لهم : في قلوبكم كيت وكيت : يعنى أنها تذيع أسرارهم عليهم حتى يسمعوها مذاعة منتشرة فكأنها تخبرهم بها» (١).
وقال الإمام الرازي. فإن قيل : المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحى على الرسول صلىاللهعليهوسلم؟ قلنا فيه وجوه؟
قال أبو مسلم : هذا حذر أظهره المنافقون على وجه الاستهزاء حين رأوا الرسول صلىاللهعليهوسلم يذكر كل شيء ، ويدعى أنه عن الوحى ، وكان المنافقون يكذبون بذلك فيما بينهم ، فأخبر الله رسوله بذلك ، وأمره أن يعلمهم أنه يظهر سرهم الذي حذروا ظهوره ، وفي قوله : (قُلِ اسْتَهْزِؤُا) دلالة على ما قلناه.
٢ ـ أن القوم وإن كانوا كافرين بدين الرسول صلىاللهعليهوسلم إلا أنهم شاهدوا أنه صلىاللهعليهوسلم كان يخبرهم بما يضمرونه ويكتمونه ، فلهذه التجربة وقع الحذر والخوف في قلوبهم.
٣ ـ قال الأصم. إنهم كانوا يعرفون كون الرسول صلىاللهعليهوسلم صادقا ، إلا أنهم كفروا به حسدا وعنادا ...
٤ ـ معنى الحذر : الأمر بالحذر. أى : ليحذر المنافقون ذلك.
٥ ـ أنهم كانوا شاكين في صحة نبوته ، وما كانوا قاطعين بفسادها ، والشاك خائف ، فلهذا السبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم (٢). والذي نراه أن الرأى الخامس أقرب الآراء إلى الصواب ، لأن المنافقين كانوا مترددين بين الإيمان والكفر : فهم كما وصفهم الله ـ تعالى ـ (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ ...).
ومن شأن هذا التذبذب أن يغرس الخوف والحذر في القلوب.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢٨٨.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٤٨.