وفائدة هذا التكرار للفظ (كَيْفَ) : التأكيد والتمهيد لتعداد الأسباب التي تدعو المؤمنين إلى مجاهدتهم والإغلاظ عليهم ، والحذر منهم.
قال الآلوسى : وحذف الفعل بعد كيف هنا لكونه معلوما من الآية السابقة ، وللإيذان بأن النفس مستحضرة له ، مترقبة لورود ما يوجب استنكاره.
وقد كثر الحذف للفعل المستفهم عنه مع كيف ويدل عليه بجملة حالية بعده. ومن ذلك قول كعب الغنوي يرثى أخاه أبا المغوار :
وخبرتماني أنما الموت بالقرى |
|
فكيف وماتا هضبة وقليب |
يريد فكيف مات والحال ما ذكر.
والمراد هنا : كيف يكون لهم عهد معتد به عند الله وعند رسوله وحالهم أنهم (إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً) (١).
وقوله : (يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ) يظفروا بكم ويغلبوكم. يقال : ظهرت على فلان أى : غلبته ومنه قوله ـ تعالى ـ (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) أى : غالبين.
وقوله : (لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ) أى : لا يراعوا في شأنكم. يقال : رقب فلان الشيء يرقبه إذا رعاه وحفظه .. ورقيب القوم حارسهم.
والإل : يطلق على العهد ، وعلى القرابة ، وعلى الحلف.
قال ابن جرير ـ بعد أن ساق أقوالا في معنى الإل ـ وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : والإل : اسم يشتمل على معان ثلاثة : وهي العهد والعقد ، والحلف ، والقرابة .. ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى القرابة قول ابن مقبل :
أفسد الناس خلوف خلفوا |
|
قطعوا الإل وأعراق الرحم |
أى قطعوا القرابة.
ومن الدلالة على أنه يكون بمعنى العهد قول القائل :
وجدناهم كاذبا إلّهم |
|
وذو الإل والعهد لا يكذب |
وإذا كانت الكلمة تشمل هذه المعاني الثلاثة ، ولم يكن الله خص من ذلك معنى دون معنى ، فالصواب أن يعم ذلك كما عم بها ـ جل ثناؤه ـ معانيها الثلاثة ... (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ـ بتصرف يسير ـ ج ١٠ ص ٤٩.
(٢) تفسير ابن جرير ـ بتصرف وتلخيص ـ ج ١٠ ص ٨٣.