والذمة : كل أمر لزمك بحيث إذا ضيعته لزمك مذمة أو هي ما يتذمم به أى يجتنب فيه الذم.
والمعنى : بأية صفة أو بأية كيفية يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله ، والحال المعهود منهم أنهم إن يظفروا بكم ويغلبوكم ، لا يراعوا في أمركم لا عهدا ولا حلفا ولا قرابة ولا حقا من الحقوق.
وقوله ـ تعالى ـ : (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ ، وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) زيادة بيان للأحوال القبيحة الملازمة لهؤلاء المشركين.
أى : أن هؤلاء المشركين إن غلبوكم ـ أيها المؤمنون ـ فعلوا بكم الأفاعيل ، وتفتنوا في إيذائكم من غير أن يقيموا ووزنا لما بينكم وبينهم من عهود ومواثيق ، وقرابات وصلات ... أما إذا كانت الغلبة لكم فإنهم في هذه الحالة (يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ) أى : يعطونكم من ألسنتهم كلاما معسولا إرضاء لكم ، وهم في الوقت نفسه (تَأْبى قُلُوبُهُمْ) المملوءة حقدا عليكم وبغضا لكم تصديق ألسنتهم ، فهم كما وصفهم ـ سبحانه ـ في آية أخرى : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١).
وتقييد الإرضاء بالأفواه ، للإشعار بأن كلامهم مجرد ألفاظ يتفوهون بها من غير أن يكون لها مصداق في قلوبهم.
وقوله : (وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ) أى : خارجون عن حدود الحق ، منفصلون عن كل فضيلة ومكرمة ، إذ الفسق هو الخروج والانفصال. يقال : فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها وفسق فلان إذا خرج عن حدود الشرع.
وإنما وصف أكثرهم بالفسوق ، لأن هؤلاء الأكثرين منهم ، هم الناقضون لعهودهم ، الخارجون على حدود ربهم ، أما الأقلون منهم فهم الذين وفوا بعهودهم ، ولم ينقصوا المؤمنين شيئا ، ولم يظاهروا عليهم أحدا.
وبذلك نرى أن الآية الكريمة قد وصفت هؤلاء المشركين وصفا في نهاية الذم والقبح ، لأنهم إن كانوا أقوياء فجروا وأسرفوا في الإيذاء ، نابذين كل عهد وقرابة وعرف ... أما إذا شعروا بالضعف فإنهم يقدمون للمؤمنين الكلام اللين الذي تنطق به ألسنتهم ، وتأباه قلوبهم الحاقدة الغادرة.
أى أن الغدر ملازم لهم في حالتي قوتهم وضعفهم ، لأنهم في حالة قوتهم (لا يَرْقُبُونَ فِي
__________________
(١) سورة آل عمران الآية ١٦٧.