فقد صور ـ سبحانه ـ جهاد المؤمنين ، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه ، وإثابته ـ سبحانه ـ لهم على ذلك بالجنة ، صور كل ذلك بالبيع والشراء.
أى : أن الله ـ تعالى ـ وهو المالك لكل شيء ، قد اشترى من المجاهدين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله ، وأعطاهم في مقابل ذلك الجنة.
قال أبو السعود : الآية الكريمة ترغيب للمؤمنين في الجهاد ... وقد بولغ في ذلك على وجه لا مزيد عليه ، حيث عبّر عن قبول الله ـ تعالى ـ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله ـ تعالى ـ وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية. ثم جعل المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد : أنفس المؤمنين وأموالهم ، والثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة : الجنة.
ولم يجعل الأمر على العكس بأن يقال : إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ؛ ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة ، وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها ، إيذانا بتعليق كمال العناية بهم وبأموالهم.
ثم إنه لم يقل «بالجنة» بل قال : «بأن لهم الجنة» مبالغة في تقرر وصول الثمن إليهم «واختصاصه بهم» فكأنه قيل : بالجنة الثابتة لهم ، المختصة بهم (١).
وقوله : (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) جملة مستأنفة جيء بها لبيان الوسيلة التي توصلهم إلى الجنة وهي القتال في سبيل الله.
أى : أنهم يقاتلون في سبيل الله ، فمنهم من يقتل أعداء الله ، ومنهم من يقتل على أيدى هؤلاء الأعداء ، وكلا الفريقين القاتل والمقتول جزاؤه الجنة.
وقرأ حمزة والكسائي «فيقتلون ويقتلون» بتقديم الفعل المبنى للمفعول على الفعل المبنى للفاعل.
وهذه القراءة فيها إشارة إلى أن حرص هؤلاء المؤمنين الصادقين على الاستشهاد أشد من حرصهم على النجاة من القتل ؛ لأن هذا الاستشهاد يوصلهم إلى جنة عرضها السموات والأرض ، وإلى الحياة الباقية الدائمة ..
وقوله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) تأكيد للثمن الذي وعدهم الله به.
أى : أن هذه الجنة التي هي جزاء المجاهدين ، قد جعلها ـ سبحانه ـ تفضلا منه وكرما ،
__________________
(١) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٢٩١.