حقا لهم عليه ، وأثبت لهم ذلك في الكتب السماوية التي أنزلها على رسله.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله : «وعدا عليه» مصدر مؤكد لمضمون الجملة وقوله «حقا» نعت له ، وقوله «عليه» في موضع الحال من قوله «حقا» لتقدمه عليه ، وقوله : «في التوراة والإنجيل والقرآن» متعلق بمحذوف وقع نعتا لقوله «وعدا» أيضا.
أى : وعدا مثبتا في التوراة والإنجيل كما هو مثبت في القرآن ، فالمراد إلحاق مالا يعرف بما يعرف. إذ من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن. ثم إن ما في الكتابين إما أن يكون أن أمة محمد صلىاللهعليهوسلم اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بذلك ، أو أن من جاهد بنفسه وماله. من حقه ذلك ، وفي كلا الأمرين ثبوت موافق لما في القرآن ...» (١).
وقوله : (وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ) جملة معترضة مسوقة لتأكيد مضمون ما قبلها من حقية الوعد وتقريره : والاستفهام للنفي.
أى : لا أحد أوفى بعهده من الله ـ تعالى ـ لأنه إذا كان خلف الوعد لا يكاد يصدر من كرام الخلق مع إمكان صدوره منهم ، فكيف يكون الحال من جانب الخالق ـ عزوجل ـ المنزه عن كل نقص ، المتصف بكل كمال.
وقوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) تحريض على القتال ، وإعلام لهم بأنهم رابحون في هذه الصفقة.
والاستبشار : الشعور بفرح البشرى ، شعورا تنبسط له أسارير الوجه.
أى : إذا كان الأمر كذلك فافرحوا ببيعكم الذي بايعتم به غاية الفرح ، وارضوا به نهاية الرضى ، فإن ذلك البيع هو الفوز العظيم الذي لا فوز أعظم منه.
قال بعض العلماء : ولا ترى ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ من هذه الآية لأنه أبرزه في صورة عقد عقده رب العزة ، وثمنه مالا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل إذا كانوا قاتلين أيضا لإعلاء كلمته ، ونصر دينه ، وجعله مسجلا في الكتب السماوية ، وناهيك به من صك. وجعل وعده حقا ، ولا أحد أوفى من وعده فنسيئته أقوى من نقد غيره ، وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم. وهو استعارة تمثيلية ، حيث صور جهاد المؤمنين ، وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله لهم على ذلك الجنة ، بالبيع والشراء وأتى بقوله : «يقاتلون» .. بيانا لمكان التسليم وهو المعركة ، وإليه الإشارة بقوله صلىاللهعليهوسلم «الجنة تحت ظلال السيوف» ، ثم أمضاه بقوله «وذلك هو الفوز العظيم» (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ١١ ص ١٩.
(٢) تفسير القاسمى ج ٨ ص ٣٢٧٣.