ولكنهم استجابوا بعد قليل لما نصحهم به رسولهم صلىاللهعليهوسلم من وجوب قتال قريش ،.
وكان في هذه الاستجابة نصر الإسلام ، ودحر الطغيان.
قال ابن كثير : روى الحافظ بن مردويه ـ بسنده ـ عن أبى أيوب الأنصارى قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن بالمدينة : «إنى أخبرت عن عير أبى سفيان بأنها مقبلة ، فهل لكم أن نخرج قبل هذه العير لعل الله أن يغنمنا إياها؟ فقلنا نعم. فخرج وخرجنا ، فلما سرنا يوما أو يومين قال لنا :
«ما ترون في قتال القوم؟ إنهم قد أخبروا بخروجكم»؟ فقلنا : ما لنا طاقة بقتال العدو ولكننا أردنا العير ، ثم قال : «ما ترون في قتال القوم»؟ فقال المقداد بن عمرو : إذن لا نقول لك يا رسول الله كما قال بنو إسرائيل لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ ..) ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.
وفي رواية أن أبا بكر وعمر وسعد بن معاذ تكلموا بكلام سر له رسول الله صلىاللهعليهوسلم (١).
هذا ، وما قررناه قبل ذلك من أن الكاف في قوله ـ تعالى ـ (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ..) بمعنى مثل ، هو ما نرجحه من بين أقوال المفسرين التي أوصلها بعضهم إلى عشرين قولا.
قال الجمل ، قوله (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ..) فيه عشرون وجها ، أحدهما : أن الكاف نعت لمصدر محذوف تقديره ؛ الأنفال ثابتة لله ثبوتا كما أخرجك ربك ، أى : ثبوتا بالحق كإخراجك من بيتك ، يعنى أنه لا مرية في ذلك.
الثاني : أن تقديره وأصلحوا ذات بينكم إصلاحا كما أخرجك ، وقد التفت من خطاب الجماعة إلى خطاب الواحد.
الثالث : تقديره : وأطيعوا الله ورسوله طاعة ثابتة محققة كما أخرجك أى : كما أن إخراج الله إياك لا مرية فيه ولا شبهة. إلخ (٢).
والحق أن معظم الوجوه النحوية التي ذكرها الجمل وغيره من المفسرين ـ كأبى حيان والآلوسى ـ أقول : إن معظم هذه الوجوه يبدو عليها التكلف ومجانبة الصواب.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد أهمل أكثر ما ذكره المفسرون في ذلك ، واكتفى بوجهين فقال :
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٢٨٧ ـ بتصرف وتلخيص.
(٢) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٢٦ ، طبعة عيسى الحلبي.