قال صاحب الإنصاف : لا شيء أبلغ من الرد عليهم بهذا الوجه ، لأنه في الأول إطماع لهم بالموافقة ثم كر على طمعهم بالحسم ، وأعقبهم في تنقصه باليأس ، منه ، ولا شيء أقطع من الإطماع ثم اليأس يتلوه ويعقبه (١).
وقوله : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) تفسير وتوضيح لكونه صلىاللهعليهوسلم أذن خير لهم لا أذن شر عليهم.
أى : أن من مظاهر كونه صلىاللهعليهوسلم أذن خير ، أنه «يؤمن بالله» إيمانا حقا لا يحوم حوله شيء من الرياء ، أو الخداع أو غيرهما من ألوان السوء «ويؤمن للمؤمنين» أى : يصدقهم فيما يقولونه من أقوال توافق الشرع لأنهم أصحابه الذين أطاعوه ، واتبعوا النور الذي أنزل معه ، فهم أهل للتصديق والقبول. دون غيرهم من المنافقين والفاسقين.
قال الفخر الرازي : فإن قيل لما ذا عدى الإيمان إلى الله بالباء ، وإلى المؤمنين باللام؟
قلنا : لأن الإيمان المعدى إلى الله المراد منه التصديق الذي هو نقيض الكفر فعدى بالباء. والإيمان المعدى إلى المؤمنين المراد منه الاستماع منهم ، والتسليم لقولهم فعدى باللام ، كما في قوله (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا). أى بمصدق لنا. وقوله : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) وقوله : (قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ) (٢).
وقوله : (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) معطوف على قوله : (أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ).
أى : أن هذا الرسول الكريم بجانب أنه أذن خير لكم هو رحمة للذين آمنوا منكم ـ أيها المنافقون ـ إيمانا صحيحا ، لأنه عن طريق إرشاده لهم إلى الخير ، واتباعهم لهذا الإرشاد يصلون إلى ما يسعدهم في دنياهم وآخرتهم.
وعلى هذا يكون المراد بالذين آمنوا من المنافقين : أولئك الذين صدقوا في إيمانهم ، وأخلصوا لله قلوبهم ، وتركوا النفاق والرياء.
أو أن المراد بالذين آمنوا منهم : أولئك الذين أظهروا الإيمان ، فيكون المعنى :
أن هذا الرسول الكريم رحمة للذين أظهروا الإيمان منكم ـ أيها المنافقون ـ حيث إنه صلىاللهعليهوسلم عاملهم بحسب الظاهر ، دون أن يكشف أسرارهم ، أو يهتك أستارهم ؛ لأن الحكمة تقتضي ذلك.
وعلى هذا المعنى سار صاحب الكشاف فقد قال : وهو رحمة لمن آمن منكم ، أى : أظهر
__________________
(١) حاشية الكشاف لابن المنبر ج ٢ ص ١٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٦٥.