الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا عن سرية بعثها ، فلما قدم صلىاللهعليهوسلم المدينة من تبوك ، وبعث السرايا ، أراد المسلمون أن ينفروا جميعا للغزو وأن يتركوا النبي صلىاللهعليهوسلم وحده فنزلت هذه الآية (١).
والمعنى ، وما كان من شأن المؤمنين ، أن ينفروا جميعا في كل سرية تخرج للجهاد ، ويتركوا الرسول صلىاللهعليهوسلم وحده بالمدينة ، وإنما يجب عليهم النفير العام إذا ما دعاهم صلىاللهعليهوسلم إلى ذلك.
وقوله : (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ ...) معطوف على كلام محذوف ، ولو لا حرف تحضيض بمعنى هلا.
أى : فحين لم يكن هناك موجب لنفير الكافة ، فهلا نفر من كل فرقة من المؤمنين طائفة للجهاد ، وتبقى طائفة أخرى منهم «ليتفقهوا في الدين» أى : ليتعلموا أحكامه من رسولهم صلىاللهعليهوسلم «ولينذروا قومهم» أى : وليعلموهم ويخبروهم بما أمروا به أو نهوا عنه «إذا رجعوا إليهم» من الغزو «لعلهم يحذرون» أى : لعل هؤلاء الراجعين إليهم من الغزو يحذرون ما نهوا عنه.
أى : أن على المسلمين في حالة عدم النفير العام ، أن يقسموا أنفسهم إلى قسمين.
قسم يبقى مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ليتفقه في دينه ، وقسم آخر يخرج للجهاد في سبيل الله ، فإذا ما عاد المجاهدون ، فعلى الباقين مع الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يبلغوا العائدين ما حفظوه عن الرسول صلىاللهعليهوسلم من أحكام.
وبذلك يجمع المسلمون بين المصلحتين : مصلحة الدفاع عن الدين بالحجة والبرهان ، ومصلحة الدفاع عنه بالسيف والسنان.
وعلى هذا التفسير الذي سار عليه جمهور العلماء يكون الضمير في قوله «ليتفقهوا ولينذروا» يعود إلى الطائفة الباقية مع الرسول صلىاللهعليهوسلم أما الضمير في قوله «لعلهم يحذرون» فيعود على الطائفة التي خرجت للجهاد ثم عادت.
ومنهم من يرى أن الضمير في قوله «ليتفقهوا ، ولينذروا» يعود على الطائفة التي خرجت للجهاد.
وقد رجح هذا الاتجاه الإمام ابن جرير فقال : وأما قوله «ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم» فإن أولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : لتتفقه الطائفة
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٣٢٩ ـ بتصرف يسير.