للخبر عليه في الجملة حتى يكون ظهوره تبينا له ، بل نقيض لمدلوله. فما يتعلق به يكون علما مستأنفا .. (١).
هذا ، ومن الأمور التي تكلم عنها العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية ما يأتى :
١ ـ أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يحكم بمقتضى اجتهاده في بعض الوقائع. وقد بسط القول في هذه المسألة صاحب المنار فقال ما ملخصه :
وقد كان الإذن المعاتب عليه اجتهادا منه صلىاللهعليهوسلم فيما لا نص فيه من الوحى ، وهو جائز وواقع من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم. وليسوا بمعصومين من الخطأ فيه ، وإنما العصمة المتفق عليها خاصة بتبليغ الوحى ببيانه والعمل به ، فيستحيل على الرسول أن يكذب أو أن يخطئ فيما يبلغه عن ربه أو يخالفه بالعمل.
ويؤيده حديث طلحة في تأبير النخل إذ رآهم صلىاللهعليهوسلم يلقحونها فقال : «ما أظن يغنى ذلك شيئا» فأخذوا بذلك فتركوه ظنا منهم أن قوله هذا من أمر الدين ، فنفضت النخل وسقط ثمرها. فأخبر بذلك فقال : «إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه ، فإنى ظننت ظنا فلا تؤاخذونى بالظن ، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به ، فانى لن أكذب على الله عزوجل».
وقد صرح علماء الأصول بجواز الخطأ في الاجتهاد على الأنبياء. عليهم الصلاة والسلام ؛ قالوا : ولكن لا يقرهم الله على ذلك ، بل يبين لهم الصواب فيه ..» (٢).
٢ ـ أن من الواجب على المسلم التريث في الحكم على الأمور.
قال الفخر الرازي : دلت الآية على وجوب الاحتراز عن العجلة ، ووجوب التثبت والتأنى ، وترك الاغترار بظواهر الأمور ، والمبالغة في التفحص ، حتى يمكنه أن يعامل كل فريق بما يستحقه من التقريب أو الإبعاد (٣).
٣ ـ أن المتتبع لآراء العلماء عند تفسيرهم لهذه الآية يرى لهم ثلاثة أقوال :
أما القول الأول فهو لجمهور العلماء : وملخصه : أن المراد بالعفو في قوله سبحانه : (عَفَا اللهُ عَنْكَ) عدم مؤاخذته : صلىاللهعليهوسلم في تركه الأولى والأفضل ، لأنه كان من الأفضل له ألا يأذن للمنافقين في التخلف عن الجهاد حتى يتبين أمرهم.
وهذا القول هو الذي نختاره ونرجحه ، لأنه هو المناسب لسياق الآية ولما ورد في سبب نزولها :
__________________
(١) تفسير أبى السعود ج ٢ ص ٢٧٢ ، طبعة صبيح.
(٢) تفسير المنار ج ١٠ ص ٤٥٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ج ٤ ص ٤٤٤.