عليه وسلم ـ ثم يحدثون به المشركين .. (١).
قال ابن كثير : والصحيح أن الآية عامة وإن صح أنها وردت على سبب خاص ؛ فإن الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هو المعتمد عند الجماهير من العلماء.
وقوله (لا تَخُونُوا) من الخون بمعنى النقص. يقال خونه تخوينا أى : نسبه إلى الخيانة ونقصه.
قال صاحب الكشاف : معنى الخون : النقص ، كما أن معنى الوفاء التمام. ومنه تخونه إذا تنقصه ، ثم استعمل في ضد الأمانة والوفاء ؛ لأنك إذا خنت الرجل في شيء فقد أدخلت عليه النقصان فيه. وقد استعير فقيل : خان الدلو الكرب ـ والكرب حبل يشد في رأس الدلو ـ وخان المشتار السبب. والمشتار مجتنى العسل والسبب الحبل ـ لأنه إذا انقطع به فكأنه لم يف له» (٢).
والمقصود بخيانة الله : ترك فرائضه وأوامره التي كلف العباد بها ، وانتهاك حرماته التي نهى عن الاقتراب منها.
والمقصود بخيانة الرسول صلىاللهعليهوسلم : إهمال سننه التي جاء بها وأمرنا بالتقيد بتعاليمها.
والمقصود بالأمانات : الأسرار والعهود والودائع وغير ذلك من الشئون التي تكون بينهم وبين غيرهم مما يجب أن يصان ويحفظ.
والمعنى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ) بأن تهملوا فرائضه ، وتتعدوا حدوده ، ولا تخونوا (الرَّسُولَ) صلىاللهعليهوسلم ، بأن تتركوا سنته وتنصرفوا إلى غيرها ، وتخالفوا ما أمركم به وتجترحوا ما نهاكم عنه ، ولا تخونوا (أَماناتِكُمْ) بأن تفشوا الأسرار التي بينكم ، وتنقضوا العهود التي تعاهدتم على الوفاء بها ، وتنكروا الودائع التي أودعها لديكم غيركم ، وتستبيحوا ما يجب حفظه من سائر الحقوق المادية والمعنوية ، فقوله : (وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) معطوف على قوله (لا تَخُونُوا).
وأعاد النهى للإشعار بأن كل واحد من المنهي عنه مقصود بذاته اهتماما به.
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الواو للحال ، والمفعول محذوف. أى. والحال أنكم تعلمون سوء عاقبة الخائن لله ولرسوله وللأمانات التي اؤتمن عليها ، فعليكم أن تتجنبوا الخيانة في جميع صورها ؛ لتنالوا رضى الله ومثوبته.
__________________
(١) راجع تفسير بن جرير ج ٩ ص ٢٢١. وتفسير الفخر الرازي ج ٥ ص ١٥١ وابن كثير ج ٢ ص ٣٠٠.
(٢) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٢١٣.