بالشرك. وجعل على بن أبى طالب يوبخ العباس بسبب قتال رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقطيعة الرحم.
فقال العباس : ما لكم تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقيل له : وهل لكم محاسن؟ قال : نعم. ونحن أفضل منكم. إنا لنعمر المسجد الحرام. ونحجب الكعبة ـ أى نخدمها ـ ، ونسقى الحجيج ، ونفك العاني ـ أى الأسير ـ فنزلت هذه الآية (١).
وقال صاحب المنار : والمراد أن هذه الآية تتضمن الرد على ذلك القول الذي كان يقوله ويفخر به العباس وغيره من كبراء المشركين ، لا أنها نزلت عند ما قال ذلك القول لأجل الرد عليه في أيام بدر من السنة الثانية من الهجرة ، بل نزلت في ضمن السورة بعد الرجوع من غزوة تبوك كما تقدم (٢).
وقوله : (يَعْمُرُوا) من العمارة التي هي نقيض الخراب. يقال : عمر فلان أرضه يعمرها عمارة إذا تعهدها بالخدمة والإصلاح والزراعة.
والمراد بعمارة المساجد ، هنا : ما يشمل إقامة العبادة فيها ، وإصلاح بنائها وخدمتها ، ونظافتها ، واحترامها ، وصيانتها عن كل مالا يتناسب مع الغرض الذي بنيت من أجله.
وقوله : (مَساجِدَ اللهِ) قرأ أبو عمرو وابن كثير مسجد الله بالإفراد ، فيكون المراد به المسجد الحرام : لأنه أشرف المساجد في الأرض ، ولأنه قبلة المساجد كلها .. فلا يجوز للمشركين دخوله أو الخدمة فيه.
وقرأ الجمهور (مَساجِدَ اللهِ) بالجمع ، فيكون المراد من المساجد جميعها لأنها جمع مضاف في سياق النفي فيعم سائر المساجد ، ويدخل فيها المسجد الحرام دخولا أوليا ، لأن تعميره مناط افتخارهم ، وأهم مقاصدهم. وهذه القراءة آكد في النفي ، لأن نفى الجمع يدل على النفي عن كل فرد ، فيلزم نفيه عن الفرد المعين بطريق الكناية ، كما لو قلت : فلان لا يقرأ كتب الله ، فإن قولك هذا أنفى لقراءته القرآن من تصريحك بذلك.
قوله : (شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ) حال من الواو في قوله (يَعْمُرُوا).
وفائدة المجيء بهذه الجملة : الإشعار بأن كفرهم كفر صريح ، وأنهم يعترفون به اعترافا لا يملكون إنكاره ، ولا يسعهم إلا إقراره.
والمعنى : لا ينبغي ولا يصح للمشركين أن يعمروا مساجد الله التي بنيت لعبادته وحده
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ١٧٠.
(٢) تفسير المنار ج ١٠ ص ٢٤٩.