أى : يتناصرون ويتعاضدون كما جاء في الحديث الصحيح : «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا». وفي الصحيح ـ أيضا ـ : «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر» (١).
وقال ـ سبحانه ـ هنا (بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) بينما قال في المنافقين (بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) للإشعار بأن المؤمنين في تناصرهم وتعاضدهم وتراحمهم مدفوعون بدافع العقيدة الدينية التي ألفت بين قلوبهم ، وجعلتهم أشبه ما يكونون بالجسد الواحد ، أما المنافقون فلا توجد بينهم هذه الروابط السامية ، وإنما الذي يوجد بينهم هو التقليد واتباع الهوى ، والسير وراء العصبية الممقوتة ، فهم لا ولاية بينهم ، وإنما الذي بينهم هو التقليد وكراهية ما أنزل الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) بيان للآثار التي تترتب على تلك الولاية الخالصة ، وتفصيل للصفات الحسنة التي تحلى بها المؤمنون والمؤمنات.
أى : أن من صفات هؤلاء المؤمنين والمؤمنات الذين جمعتهم العقيدة الدينية على التناصر والتراحم .. من صفاتهم أنهم (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أى يأمرون بكل خير دعا إليه الشرع ، وينهون عن كل شر تأباه تعاليم الإسلام الحنيف.
وقوله : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) أى : يؤدونها في أوقاتها بإخلاص وخشوع ..
وقوله : (وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أى : يعطونها لمستحقيها بدون منّ أو أذى ..
وقوله : (وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) أى : في سائر الأحوال بدون ملل أو انقطاع أو تكاسل ..
وقوله : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) بيان للجزاء الطيب الذي ادخره الله ـ تعالى ـ لهم.
أى : أولئك المؤمنون والمؤمنات المتصفون بتلك الصفات السامية ، سيرحمهمالله ـ تعالى ـ برحمته الواسعة ، إنه ـ سبحانه ـ «عزيز» لا يعجزه شيء «حكيم» في كل أفعاله وتصرفاته.
قال صاحب الكشاف : «والسين هنا مفيدة لوجود الرحمة ، فهي تؤكد الوعد ، كما تؤكد الوعيد كما في قولك : سأنتقم منك يوما ، تعنى أنك لا تفوتني وإن تباطأ ذلك ، ونحوه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٢)
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٣٦٩.
(٢) تفسير الكشاف ـ بتصرف يسير ـ ج ٢ ص ٢٨٩.