وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)(٧٠)
وقوله ـ تعالى ـ : (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً ...) جاء على أسلوب الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزجر المنافقين ، وتحريك نفوسهم إلى الاعتبار والاتعاظ.
والكاف في قوله : (كَالَّذِينَ) للتشبيه ، وهي في محل رفع خبر لمبتدأ محذوف.
والتقدير : أنتم ـ أيها المنافقون ـ حالكم كحال الذين خلوا من قبلكم من الطغاة في الانحراف عن الحق ، والاغترار بشهوات الدنيا وزينتها ، ولكن هؤلاء الطغاة المهلكين ، يمتازون عنكم بأنهم «كانوا أشد منكم قوة» في أبدانهم ، وكانوا «أكثر» منكم «أموالا وأولادا».
وقوله : (فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ) بيان لموقف هؤلاء المهلكين من نعم الله ـ تعالى ـ والخلاق : مشتق من الخلق بمعنى التقدير. وأطلق على الحظ والنصيب لأنه مقدر لصاحبه.
أى : كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا ، ولكنهم لم يشكروا الله على إحسانه ، بل فتنوا بما بين أيديهم من نعم ، واستمتعوا بنصيبهم المقدر لهم في هذه الحياة الدنيا ، استمتاع الجاحدين الفاسقين.
والتعبير بالفاء المفيدة للتعقيب في قوله : (فَاسْتَمْتَعُوا) ؛ للإشعار بأن هؤلاء المهلكين بمجرد أن امتلأت أيديهم بالنعم ، قد استعملوها في غير ما خلقت له ، وسخروها لإرضاء شهواتهم الخسيسة ، وملذاتهم الدنيئة.
وقوله : (فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ) ذم للمخاطبين وللذين سبقوهم ؛ لانتهاجهم جميعا طريق الشر والبطر.
أى : فأنتم ـ أيها المنافقون ـ قد استمتعتم بنصيبكم المقدر لكم من ملاذ الدنيا ، وشهواتها الباطلة ، كما استمتع الذين من قبلكم بنصيبهم في ذلك.