أما القسم الأول : فهم المهاجرون الأولون أصحاب الهجرة الأولى.
وأما القسم الثاني : فهم الأنصار من أهل المدينة.
والقسم الثالث : المؤمنون الذين لم يهاجروا.
والقسم الرابع : المؤمنون الذين هاجروا بعد صلح الحديبية.
وقد عبر ـ سبحانه ـ عن القسمين : الأول والثاني بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا ...).
أى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان (وَهاجَرُوا) أى تركوا ديارهم وأوطانهم وكل نفيس من زينة الحياة الدنيا. من أجل الفرار بدينهم من فتنة المشركين ، ومن أجل نشر دين الله في الأرض (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ) أى : أنهم مع إيمانهم الصادق ، وسبقهم بالهجرة إرضاء لله ـ تعالى ـ ، قد بالغوا في إتعاب أنفسهم من أجل نصرة الحق ، فقدموا ما يملكون من أموال ، وقدموا نفوسهم رخيصة لا في سبيل عرض من أعراض الدنيا ، وإنما في سبيل مرضاة الله ونصرة دينه.
فأنت ترى أن الله ـ تعالى ـ قد وصف هذا القسم الأول من المؤمنين وهم الذين سبقوا إلى الهجرة. بأعظم الصفات وأكرمها.
فقد وصفهم بالإيمان الصادق ، وبالمهاجرة فرارا بدينهم من الفتن ، وبالمجاهدة بالمال والنفس في سبيل إعلاء كلمة الله.
وقد جاءت هذه الأوصاف الجليلة مرتبة حسب الوقوع ، فإن أول ما حصل منهم هو الإيمان ، ثم جاءت من بعده الهجرة ، ثم الجهاد.
ولعل تقديم المجاهدة بالأموال هنا على المجاهدة بالأنفس ، لأن المجاهدة بالأموال أكثر وقوعا ، وأتم دفعا للحاجة ، حيث لا تتصور المجاهدة بالنفس بلا مجاهدة بالأموال.
وقوله (فِي سَبِيلِ اللهِ) متعلق بقوله (جاهَدُوا) لإبراز أن جهادهم لم يكن لأى غرض دنيوى ، وإنما كان من أجل نصرة الحق وإعلاء كلمته ـ سبحانه ـ وقوله : (وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا) بيان للقسم الثاني من أقسام المؤمنين في العهد النبوي ، وهم الأنصار من أهل المدينة الذين فتحوا للمهاجرين قلوبهم ، واستقبلوهم أحسن استقبال ، حيث أسكنوهم منازلهم ، وبذلوا لهم أموالهم ، وآثروهم على أنفسهم ، ونصروهم على أعدائهم.
فالآية الكريمة قد وصفت الأنصار بوصفين كريمين.
أولهما : الإيواء الذي يتضمن معنى التأمين من الخوف ، إذا المأوى هو الملجأ والمأمن مما