واليا على حمص ، فلقيت شيخا كبيرا هرما ، على راحلته فيمن نفر ، فأقبلت عليه فقلت : يا عماه لقد أعذر الله إليك.
قال : فرفع حاجبيه فقال. يا ابن أخى ، استنفرنا الله خفافا وثقالا ، من يحبه الله يبتليه ، ثم يعيده فيبقيه ، وإنما يبتلى الله من عباده من شكر وصبر وذكر ، ولم يعبد إلا الله (١).
وعن أبى راشد الحبرانى قال. وافيت المقداد بن الأسود ، فارس رسول الله صلىاللهعليهوسلم جالسا على تابوت من توابيت الصيارفة بحمص ، وهو يريد الغزو ـ وقد تقدمت به السن ـ فقلت له : لقد أعذر الله إليك.
فقال : أبت علينا سورة البعوث ذلك. يعنى هذه الآية : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) (٢).
هذا ، ومن العلماء من يرى أن هذه الآية تجعل الجهاد على الجميع حتى المريض والزمن والفقير .. وليس الأمر كذلك ، فما معنى هذا الأمر؟.
قلت. من العلماء من حمله على الوجوب ثم إنه نسخ بقوله ـ تعالى ـ (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى ..) (٣).
ومنهم من حمل هذا الأمر على الندب.
والصحيح أنها منسوخة ، لأن الجهاد من فروض الكفاية ، ويدل عليه أن هذه الآيات نزلت في غزوة تبوك ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم خلف في المدينة في تلك الغزوة النساء وبعض الرجال ، فدل ذلك على أن الجهاد من فروض الكفايات ، وأنه ليس على الأعيان (٤).
ويرى بعض العلماء أن الآية ليست منسوخة ، فقد قال الإمام القرطبي ـ ما ملخصه ـ واختلف في هذه الآية ، فقيل إنها منسوخة بقوله ـ تعالى ـ (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى).
والصحيح أنها ليست بمنسوخة.
روى ابن عباس عن أبى طلحة في قوله ـ تعالى ـ : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً) قال : شبانا وكهولا. ما سمع الله عذر أحد. فخرج إلى الشام فجاهد حتى مات.
ثم قال ـ بعد أن ساق نماذج متعددة لمن خرجوا للجهاد خفافا وثقالا ـ فلهذا وما كان مثله مما روى عن الصحابة والتابعين قلنا. إن النسخ لا يصح.
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١٤٠ ـ بتصريف يسير.
(٢) تفسير الآلوسى ج ١٠ ص ٩٣ ـ بتصريف يسير.
(٣) سورة التوبة الآية ٩١.
(٤) حاشية الجمل على الجلالين ج ٢ ص ٢٨٥.