وروى ابن إسحاق في سيرته أنه صلىاللهعليهوسلم قال : اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك ، اللهم فنصرك الذي وعدتني (١).
فإن قيل : إن هذه النصوص يؤخذ منها أن هذه الاستغاثة كانت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم فلما ذا أسندها القرآن إلى المؤمنين؟
فالجواب : أن المؤمنين كانوا يؤمنون على دعائه صلىاللهعليهوسلم ويتأسون به في الدعاء ، إلا أن الروايات ذكرت دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنه هو قائد المؤمنين ، وهو الذي يحرص الرواة على نقل دعائه ، أكثر من حرصهم على نقل دعاء غيره من أصحابه.
وقيل : إن الضمير في قوله (تَسْتَغِيثُونَ) للرسول صلىاللهعليهوسلم ، وجيء به مجموعا على سبيل التعظيم ، ويعكر على هذا القيل أن السياق بعد ذلك لا يلتئم معه ، لأنه خطاب للمؤمنين بالنعم التي أنعم بها ـ سبحانه ـ عليهم.
وعبر ـ سبحانه ـ بالمضارع (تَسْتَغِيثُونَ) مع أن استغاثتهم كانت قبل نزول الآية ـ استحضارا للحال الماضية ، حتى يستمروا على شكرهم لله ، ولذلك عطف عليه.
فاستجاب لكم ، بصيغة الماضي مسايرة للواقع.
وكان العطف بالفاء للإشعار بأن إجابة دعائهم كانت في أعقاب تضرعهم واستغاثتهم وهذا من فضل الله عليهم ، ورحمته بهم ، حيث أجارهم من عدوهم ، ونصرهم عليه ـ مع قلتهم عنه ـ نصرا مؤزرا.
والسين والتاء في قوله : «تستغيثون» للطلب ، أى : تطلبون منه الغوث بالنصر.
فإن قيل : إن الله ـ تعالى ـ ذكر هنا أنه أمدهم بألف من الملائكة ، وذكر في سورة آل عمران أنه أمدهم بأكثر من ذلك فكيف الجمع بينهما؟.
فالجواب أن الله ـ تعالى ـ أمد المؤمنين بألف من الملائكة في يوم بدر ، كما بين هنا في سورة الأنفال ، ثم زاد عددهم إلى ثلاثة آلاف كما قال ـ تعالى ـ في سورة آل عمران : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ...) ، ثم زاد عددهم مرة أخرى إلى خمسة آلاف ، قال ـ تعالى ـ (بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا ، يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) (٢).
__________________
(١) تفسير النار ج ٩ ص ٥٥٦ مطبعة دار المنار ، الطبعة الثانية سنة ١٩٦٧ ه.
(٢) سورة آل عمران الآيات من ١٢٣ ـ ١٢٥.