فيه أن الله تعالى يحدث فيهم الألم ولا يشعرون فإذا حشروا وجدوا الألم في ذلك الوقت كالسكران والمغمى عليه وقال محمد بن جرير يعذب الميت في قبره من غير أن يرد الروح عليه وهذا كله محال ومن كلام الجهال أما البلخي والصالحي يجوز عذاب القبر ولا يثبت القول بوجوبه ومن المنكر أن منكرا ونكيرا يسألانه عن عقيدته وهذا محال بعد الموت فالجواب أنما سمى منكرا ونكيرا لأنه ينكر الحق وينكر ما يأتيانه به ويكرهه وسمى مبشرا وبشيرا لأنه يبشر أنه بالنعيم وإن هذين الاسمين ليسا بلقب وإنما هو عبارة عن فعلهما وهذا لا يستحيل وقالا أما قوله (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) وهم يعرضون على النار وهذا من المقدم والمؤخر نحو قوله (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) تقديرا آتوني قطرا أفرغ عليه وقالا قوله (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) والغدو والعشي لا يكونان في الآخرة إن لم يصح في الآخرة غدو وعشي فيصح تقديره من الزمان وغرضنا يتم بالتقدير ثم إنه قال في آخره (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) يعني عذاب جهنم وذلك أشد من الذي تقدم من عذاب القبر وأما قوله (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ) فنحن لا نتعلق بها وهي مفسرة في قوله (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ).
قوله سبحانه :
حكاية عن مؤمن آل فرعون (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ) وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ص مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ مِنْ بُعْدٍ بُلِّغْتُهُ. قد ثبت أن المعصومين في جنان الله تعالى أحياء يدركون بحواسهم ما يتصل بها من المحسوسات ولا يمتنع أن يسمعهم الملائكة الموكلون بقبورهم في أوجز مدة سلام زوارهم شافعا لما يسمعونه بالوسائط بينهم وبين زوارهم من غير تأخير وإذا سلم عليهم الإنسان بلغوا ذلك في تراخي الأوقات.
قوله سبحانه :
(وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ) الصحيح أن المؤمنين كلهم في البرزخ أحياء إلى أن تقوم الساعة ثم يحييهم الله في الجنة يدل على أنهم أحياء في الحقيقة قوله (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ولو كان المعنى يستحيون في الآخرة لم يقل (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) وإن النعيم والعذاب أنما يصل إلى الروح لا الجثة التي ترى ومن زعم