حلف على ما ادعوه ونزل القرآن بنهيه عما فعل ولم يثبت أنه زال عنه فيجب القول باستحقاقه الذم إلى أن ثبت زواله عنه.
قوله سبحانه :
(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ) كيف يكون في الأول وإنه عندكم كان موسرا والألف واللام يقتضيان الاستغراق لقوله (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) فوصف بالصدق من تكاملت له الشرائط ففيها ما هو مشاهد كالهجرة والإخراج من الدار والأموال وفيها ما هو باطن لا يعلمه إلا الله تعالى وهو ابتغاء الفضل والرضوان من الله ونصرة الله ورسوله لأن المعتبر في ذلك بالنيات فيجب أن تثبتوا إجماع هذه الصفات في كل من هاجر وأخرج من دياره وأمواله.
قوله سبحانه :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) إنما نزلت في شأن أمير المؤمنين ع لأن في عقبها (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية وإن هذه الأوصاف كان مستكملا له بالإجماع وقد صح محبة الله تعالى ورسوله في خبر الطير وحديث خيبر وقصة الوفاة ولم يصح ذلك لغيره ثم قال (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ومعلوم حاله مع المؤمنين والكافرين ولم يسبقه أحد من العالمين ثم قال (يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) وهو منفي عنهما بالإجماع ولاحق به بالاتفاق وأما دعواهم أنهم أهل الردة فمحال لأنهم كانوا يظهرون الشهادتين والتأذين والصلاة كما شهر في الصحاح والسنن وهذا ليس من حكم الارتداد ولنا أن نقول أيضا إنه قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ ع تُقَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَالْقَاسِطِينَ وَالْمَارِقِينَ. وهؤلاء عندنا مرتدون بذلك وضوحا إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ يَوْمَ الْبَصْرَةِ وَاللهِ مَا قُوتِلَ أَهْلُ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى الْيَوْمَ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ. وقد روي عن عمار وحذيفة وابن عباس وابن مسعود أنها نزلت في أهل البصرة ومن قاتل عليا ومن المعلوم أن صاحبكم ليس له قتيل في الإسلام وقد انهزم عن النبي ص مرارا بلا خلاف.