فرقة للجماعة ، وتألّفا لأهل الضلالة. فرأيك!
فخرج عليّ (ع) فدخل المسجد ، وصعد المنبر مرتديا بطاق ، مؤتزرا ببرد قطريّ ، متقلّدا سيفا ، متوكئا على قوس ، فقال :
أمّا بعد ، فإنّا نحمد الله ربنا وإلهنا وولينا ، وولي النعم علينا ، الّذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة وباطنة ، امتنانا منه بغير حول منا ولا قوة ، ليبلونا أنشكر أم نكفر ؛ فمن شكر زاده ومن كفر عذّبه ؛ فأفضل الناس عند الله منزلة ، وأقربهم من الله وسيلة ، أطوعهم لأمره ، وأعملهم بطاعته ؛ وأتبعهم لسنّة رسوله (ص) ، وأحياهم لكتابه ؛ ليس لأحد عندنا فضل إلّا بطاعة الله وطاعة الرسول (ص). هذا كتاب الله بين أظهرنا ، وعهد رسول الله (ص) وسيرته فينا ، لا يجهل ذلك إلّا جاهل عاند عن الحقّ ، منكر ، قال الله تعالى :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)(١).
ثمّ صاح بأعلى صوته : أطيعوا الله وأطيعوا الرّسول ، فإن تولّيتم فإنّ الله لا يحبّ الكافرين.
ثمّ قال : يا معشر المهاجرين والأنصار! أتمنّون على الله ورسوله بإسلامكم ، بل الله يمنّ عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين.
ثمّ قال : أنا أبو الحسن ـ وكان يقولها إذا غضب ـ ثمّ قال : ألا إنّ هذه الدنيا الّتي أصبحتم تمنّونها وترغبون فيها ، وأصبحت تغضبكم وترضيكم ، ليست بداركم ولا منزلكم الّذي خلقتم له ؛ فلا تغرّنّكم فقد حذرتموها ، واستتموا نعم الله عليكم بالصّبر لأنفسكم على طاعة الله ، والذّلّ لحكمه ، جل ثناؤه ؛ فأمّا هذا
__________________
(١) سورة الحجرات / ١٣.