الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة ؛ وقد فرغ الله من قسمته ؛ فهو مال الله ، وأنتم عباد الله المسلمون ؛ وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا ، وعهد نبينا بين أظهرنا ، فمن لم يرض به فليتولّ كيف شاء فإن العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه.
ثمّ نزل عن المنبر ، فصلّى ركعتين ، ثمّ بعث بعمار بن ياسر ، وعبد الرّحمن بن حسل القرشي إلى طلحة والزّبير ؛ وهما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما ؛ فقاما حتى جلسا إليه (ع) ؛ فقال لهما : نشدتكما الله ؛ هل جئتماني طائعين للبيعة ، ودعوتماني إليها ، وأنا كاره لها! قالا : نعم ، فقال : غير مجبرين ولا مقسورين ، فأسلمتما لي بيعتكما وأعطيتماني عهدكما! قالا : نعم ، قال : فما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ قالا : أعطيناك بيعتنا على ألّا تقضي الأمور ولا تقطعها دوننا ؛ وأن تستشيرنا في كلّ أمر ولا تستبدّ بذلك علينا ، ولنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت ؛ فأنت تقسم القسم وتقطع الأمر ، وتمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.
فقال : لقد نقمتما يسيرا ؛ وأرجأتما كثيرا ؛ فاستغفرا الله يغفر لكما. ألا تخبرانني ، أدفعتكما عن حقّ وجب لكما فظلمتكما إيّاه؟ قالا : معاذ الله! قال : فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء؟ قالا : معاذ الله! قال : أفوقع حكم أو حقّ لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه؟ قالا : معاذ الله! قال : فما الّذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟ قالا : خلافك عمر بن الخطاب في القسم ؛ أنّك جعلت حقّنا في القسم كحقّ غيرنا ، وسوّيت بيننا وبين من لا يماثلنا في ما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا ورماحنا وأوجفنا (١) عليه بخيلنا ورجلنا ، وظهرت عليه دعوتنا ، وأخذناه قسرا قهرا ، ممّن لا يرى الإسلام إلّا كرها.
فقال : فأمّا ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فو الله ما كانت لي في الولاية
__________________
(١) ما أوجفنا : ما أعملنا.