مائة لتفرقنا عنه. وفي رواية اخرى : رأيت صبيغ بن عسل بالبصرة كأنّه بعير أجرب يجيء إلى الحلقة ويجلس وهم لا يعرفونه فتناديهم الحلقة الاخرى عزمة أمير المؤمنين عمر فيقومون ويدعونه ، فلم يزل كذلك حتّى أتى أبا موسى ، فحلف له بالأيمان المغلظة أنّه لا يجد في نفسه ممّا كان شيئا فكتب في ذلك إلى الخليفة ، فكتب إليه ما أخاله إلّا قد صدق فخل بينه وبين مجالسة الناس ، فلم يزل وضيعا في قومه بعد أن كان سيّدا فيهم (١).
كان ذلكم عمله مع من يسأل عن تفسير القرآن ، وفي الخبر الآتي عن عمله في من كان معه مصحف فيه تفسير :
في كنز العمال عن عامر الشعبي قال : كتب رجل مصحفا وكتب عند كل آية تفسيرها فدعا به عمر فقرضه بالمقراضين (٢).
كل ما ذكرناه كان يخص أمر تفسير القرآن وكان مهتما بأمر تعليم تلاوة القرآن ، وكان ممّن يعلم تلاوة القرآن من عمّاله أبو موسى الأشعري ، كما جاء بترجمته من حلية الأولياء (١ / ٢٥٦) بسنده عن أبي رجاء العطاردي أنّه قال : كان أبو موسى الأشعري يطوف علينا في هذا المسجد ، مسجد البصرة يقعد حلقا ، فكأنّي أنظر إليه بين بردين أبيضين يقرئني القرآن ومنه أخذت هذه السورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) قال أبو رجاء : فكانت أوّل سورة انزلت على محمّد رسول الله (ص).
ومرّ بنا أنّ ابن مسعود كان يملي القرآن على الناس في الكوفة عن ظهر قلبه.
وأنّ الخليفة كتب إلى امراء الأجناد أن ارفعوا إلي كل من حمل القرآن (أي
__________________
(١) تاريخ ابن عساكر ، مخطوطة الظاهرية بدمشق ، مصوّرة المجمع العلمي الإسلامي (٨ / ق ١ / ورقة ١١٧ ـ ١١٨).
(٢) كنز العمال ، ط. دائرة المعارف العثمانية ، حيدرآباد سنة ١٣٦٤ ه ، ٢ / ٢٠٤ ، ح : ٣٠٢٣.