وفي السنة السابعة عشرة بعث أبا موسى الأشعري إلى البصرة مقرئا لهم وواليا وبقي فيها إلى السنة السابعة والعشرين يقرئ أهلها في مسجدهم القرآن وعند ما طلب منه الخليفة أن يعرف القرّاء ممّن تعلموا منه ليبعثهم قرّاء في الآفاق طلب أبو موسى ألّا يأتيه منهم إلّا من جمع القرآن أي من حفظ القرآن عن ظهر قلب فدخل عليه منهم ثلاثمائة ممّن حفظ القرآن عن ظهر قلب.
وكذلك بعث الخليفة ابن مسعود بعد تمصير الكوفة مقرئا لأهلها ، وبقي فيهم يقرئهم ويفقههم في الدّين إلى سنة حرق الخليفة عثمان المصاحف ، حيث لم يسلّمهم مصحفه ، وكان يملي القرآن من حفظه وتخرّج عليه القرّاء الذين نفاهم الوالي الأموي سعيد إلى الشام والقرّاء الذين حضروا صفين في جيش الإمام عليّ ، وخرج منهم على الإمام ثمانية آلاف في حروراء ، وكان لهم على عهد الخليفة عمر دويّ في قراءة القرآن بمساجد البلاد ، وفي عهد الإمام عليّ كانت لهم ضجّة بمساجدهم في قراءة القرآن كما كان ذلك على عهد رسول الله (ص).
ولم يقتصر الإقراء على الصحابة ، بل قام بالإقراء في عصر الصحابة وبعدهم من قرأ القرآن عليهم ، كما عرفنا ذلك من خبر الثلاثمائة قارئ ممّن تخرّج على أبي موسى وطلبهم الخليفة للإقراء في الآفاق ، ويقال لمن أخذ من الصحابة ولم ير الرسول (ص) في علم الدراية التابعون ، ولدراسة كيفية إقراء التابعين نذكر خبر إقراء مقرئ أهل الكوفة التابعي أبي عبد الرّحمن السلمي ، الّذي ولد في حياة النبيّ (ص) ، وقرأ القرآن على عثمان وعليّ وابن مسعود وزيد بن ثابت وابيّ بن كعب ، وجوّد القرآن وبرع فيه ، وكان يقرئ الناس في مسجد الكوفة الأعظم أربعين سنة منذ خلافة عثمان إلى أن توفّي في زمن الحجّاج سنة ثلاث أو أربع وسبعين ، وكان يعلّمهم خمس آيات خمس آيات.