.................................................................................................
______________________________________________________
في الأزل لم يكن حكما مجعولا ، ولكنه عند الشك في التكليف هو حكم مجعول شرعا ، نظرا إلى كون أمر بقائه ورفعه بيد الشارع فعلا كما هو الحال في وجود التكليف عينا ، وكما إذا فرضنا أن اليد كانت نجسة قبل الظهر مثلا ، ولم يكن لها أثر شرعي لعدم وجود الصلاة مثلا في ذلك الوقت ولا شيء آخر مما يعتبر فيه الطهارة ، ثم شككنا بعد الظهر في طهارتها ، وللنجاسة أثر شرعي بقاء وهو عدم جواز الدخول في الصلاة. ثم محل الكلام هو الاحتمال الثاني ؛ إذ ربما يتوهم عدم جريان الاستصحاب فيه ، ولعل الوجه فيه هو أن الاستصحاب عبارة عن الإبقاء الشرعي بضميمة أن مرجعه إلى جعل الحكم المماثل ، وهذا لا يصح إلّا إذا كان المتيقن حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شرعي ثبوتا ؛ وإلّا لم يكن الحكم المجعول في مقام الشك إبقاء شرعيا للمتيقن.
لكن هذا التوهم فاسد عند المصنف «قدسسره».
وجه فساده : أنه لم يؤخذ في دليل الاستصحاب هذا العنوان ـ أعني : عنوان الإبقاء ـ بل المأخوذ فيه هو عدم النقض عملا.
ومعاملة المتيقن السابق معاملة الباقي لا حقا. وهذا لا يستلزم أكثر من كون المتيقن بقاء حكما شرعيا أو ذا حكم شرعي. ويكون المجعول حكما مماثلا للمشكوك على تقدير وجوده واقعا ، ولا يعتبر أن يكون كذلك حدوثا ؛ لعدم تكفل الدليل للإبقاء بل للأمر بالعمل في مقام الشك عمل الباقي واقعا. هذا غاية ما يمكن أن يقال في توضيح دفع المصنف للتوهم المذكور.
فالمتحصل : أنه لا يجب في المستصحب أن يكون حكما فعليا أو ذا أثر شرعي حال اليقين ؛ بل كونه ذا أثر حال الشك كان كافيا في إجراء الاستصحاب ، فمثلا : لو شك في بلوغ زيد ، فإن استصحاب عدم التكليف بالنسبة إليه جار وإن كان قبل البلوغ لا أثر شرعي بالنسبة إلى زيد ؛ إذ ليس داخلا في موضوع التكليف حتى يكون لليقين السابق أثر شرعي.
وكذلك إذا وقع مال لزيد في البحر ، ثم أخرج جري استصحاب ملكيته له ، وإن كان في حال كونه في البحر مأيوسا منه لا أثر شرعي لملكيته إيّاه ؛ لكنه حيث يكون في حال الشك ذا أثر من جواز تصرفه وحرمة تصرف غيره جرى الاستصحاب.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».