ومقام (١) الإثبات على (٢) وجه التناقض أو التضاد (٣) حقيقة أو عرضا (٤) ؛ ...
______________________________________________________
توضيح الوجه الثاني من وجهي عدول المصنف عن تعريف المشهور.
(١) الظاهر : أنه عطف تفسيري للدلالة المراد بها الحجية التي يثبت بها الحكم الشرعي.
(٢) الظاهر : أنه متعلق بمحذوف مثل «كائنا» ونحوه ، وليس متعلقا بالتنافي ، وغرضه من قوله : «على وجه التناقض أو التضاد» : بيان منشأ تعارض الدليلين في مرحلة الإثبات لا بيان كيفية تعارض نفس الدليلين من أنه على وجه التناقض تارة ، وعلى وجه التضاد أخرى.
وتوضيحه : أن التعارض وإن كان وصفا لنفس الدليلين ـ لا وصفا للمدلولين ـ كما مرّ مشروحا ، لكن الواسطة الثبوتية بتعارض الخبرين هي تنافي المدلولين ، ومن المعلوم : أن تنافي المدلولين يكون بنحو التناقض تارة كما في دلالة أحدهما على وجوب عدم شيء والآخر على وجوبه ، ويكون بنحو التضاد أخرى ، كما في دلالة الآخر أحدهما مثلا على استحباب صلاة العيدين جماعة في عصر الغيبة ودلالة الآخر على حرمتها بناء على تضاد الأحكام كما هو كذلك. ويشهد لما ذكرناه : من أن مراد المصنف بيان منشأ التعارض لا جعل التناقض والتضاد في نفس الحجية ما أفاده المحقق العراقي في الفوائد ، قال فيها : «التعارض وإن كان هو تنافي الدليلين بحسب المدلول للتناقض أو التضاد بين المدلولين» ، وهذا صريح في أن التعارض وإن لم يكن تنافي المدلولين كما زعمه المشهور ؛ بل هو تعارض الدليلين ، لكن منشأ تعارض الدليلين تناقض مدلوليهما تارة ، وتضادهما أخرى.
(٣) الوجه في زيادة قيد «التضاد» ، وعدم الاقتصار على التنافي بنحو التناقض هو : أن التنافي الذي فسرّ به التعارض لما كان موهما لاختصاص التعارض بالتناقض ـ لأن مقتضى التنافي هو النفي والرفع الذي هو نقيض كل شيء ـ دعا الشيخ والمصنف وغيرهما إلى أخذ قيد التضاد في تعريفه ليعم التعارض مطلق التمانع بين المداليل.
ودعوى : عدم الحاجة إلى قيد «التضاد» ؛ لأن الدليلين الدالين على المتضادين بالمطابقة يدلان على المتناقضين بالدلالة الالتزامية ، فتقييد التنافي بالتناقض كاف في عموم التعريف للمتضادين غير مسموعة ؛ لعدم ثبوت كفاية الدلالة الالتزامية في الحدود إن لم يكن اللازم من البيّن بالمعنى الأخص ، لبناء الحدّ على تعريف المحدود ورفع الخفاء عنه.
(٤) هاتان الكلمتان متعلقتان بقوله : «التضاد» ، فالمقصود : أن التنافي على وجه التضاد إما حقيقي وإما عرضي ، وقد عرفت : أن فرض التعارض في موارد التضاد