.................................................................................................
______________________________________________________
الترجيح في الخبر المشهور بعدم الريب فيه ظاهر في نفي الريب عنه بقول مطلق ومن جميع الجهات. لكن هذا الظاهر غير مراد هنا قطعا لقرائن مسلّمة :
منها : عدم إفادة الشهرة الروائية للقطع بالصدور والدلالة والجهة ؛ بل المقتضي لحصول هذا القطع هو الشهرة الروائية والفتوائية معا ، والمفروض في المقبولة : شهرة الرواية خاصة لقوله «مشهوران مأثوران قد رواهما الثقات».
ومنها : أن السائل سأل عن حكم تعارض الخبرين ، ولو كان أحدهما قطعيا من جميع الجهات وكان الآخر موهونا كذلك لما كان مجال لفرض التعارض بينهما ، ولا للسؤال عن حكم الخبرين المشهورين ، فلا بد أن يكون الريب المنفي إضافيا لا حقيقيا ؛ إذ يتجه السؤال حينئذ عما هو أقرب إلى الواقع ، ويكون الريب فيه أقل من الأخر.
ومنها : أن الإمام «عليهالسلام» بعد تعليل الأخذ بالمشهور ب «أن المجمع عليه لا ريب فيه» استند إلى خبر التثليث وظاهرة إدراج الخبر الشاذ ـ المقابل للمشهور ـ في الشبهة لا في بيّن الغيّ والحرام البيّن ، فإن المكلف مجبول على عدم الأخذ بما كان هذا شأنه.
وعليه : يصير الخبر المشهور مما لا ريب فيه ، بالإضافة إلى غيره لا قطعيا من جميع الجهات.
ومنها : أن الإمام «عليهالسلام» حكم بترجيح أحد الحكمين بصفات الحاكم من الأصدقية ونحوها ، وتقديم خبر الأصدق إنما هو من جهة أقربيته إلى الواقع ، فتتقوّى أصالة الصدور في الخبر ؛ لكون رواية أصدق من راوي الخبر الآخر ، وبعد التكافؤ في الصفات رجّح الإمام «عليهالسلام» الخبر المشهور على غيره.
ومقتضى الترتيب تقديم خبر الأصدق ـ ولو لم يكن مشهورا ـ على الخبر المشهور الذي رواه الصادق ولو كان الخبر المشهور قطعيا من جميع الجهات لما صح جعل الأصدقية موجبة لأقربية الخبر المخالف للمشهور ، ولمّا تعذر الأخذ بظاهر التعليل في نفي الرب عن الخبر المشهور من جميع الجهات ـ بما تقدم من القرائن ـ فلا بد من الأخذ بما هو أقرب إلى المعنى الحقيقي ، وهو أن يكون الريب في أحدهما أقلّ من الآخر بعد اشتراكهما في أصل الريب ، وأن الريب المنفي في الخبر المشهور هو خصوص الريب الموجود في الخبر الشاذ.
ومحصل التعليل حينئذ : أن المدار في حجية أحد الخبرين المتعارضين هو قلة احتمال المخالفة للواقع فيه ، وأقربية احتمال مطابقته له من احتمال مطابقة الأخر له ، فيتعدّى