وقد دفع المصنف هذا التوهم بوجهين :
أحدهما : ما يرجع إلى منع الكبرى ، وهو كون الظن بالكذب قادحا في الحجية.
والآخر : إلى منع الصغرى ، وهو كون الظن بصدور ذي المزية ملازما للظن بكذب فاقد المزية.
وأما الوجه الأول : فتوضيحه يتوقف على مقدمة وهي : أن الظن ـ المنوط به حجية خبر الواحد ـ يمكن أن يكون نوعيا ويمكن أن يكون شخصيا إذ محتملاته ثلاثة ؛ لأن حجية الخبر إما أن تكون من باب حصول الظن الشخصي منه وإما من باب الظن النوعي منه ، وعلى الثاني : فإما أن يكون الظن النوعي مقيدا بعدم ظن على خلافه من شهرة أو خبر آخر ، وإما أن لا يكون مقيدا بعدم الظن على الخلاف.
إذا عرفت هذه المقدمة فاعلم : أن الحجة هو الخبر المفيد الظن نوعا ، سواء كان على خلافه ظن أم لم يكن ، وهذا هو المنسوب إلى الشيخ «قدسسره» وعليه نقول : إن الظن بكذب الخبر لا يقدح في حجيته ؛ إذا كان اعتباره من باب الظن النوعي كما هو الحق وعليه الشيخ «قدسسره» ، وإنما يقدح في حجيته الشخصي على خلافه ، والمفروض : أن اعتبار الأخبار يكون من باب الظن النوعي غير المشروط بعدم الظن على خلافه.
وعلى هذا : فالظن بكذب الخبر الفاقد للمزية لا يوجب سقوطه عن الحجية. فمبنى التوهم حجية الأخبار على أحد الاحتمالين ، وهما حجيتها من باب الظن الشخصي ، وحجيتها من باب الظن النوعي المقيد بعدم قيام الظن على خلافه.
ومبنى دفع التوهم هو : حجية الأخبار من باب الظن النوعي المطلق ، فبطلان التوهم إنما هو لمنافاته لمبنى الشيخ في حجية الأخبار ، هذا توضيح الوجه الأول في دفع هذا التوهم.
وأما الوجه الثاني ـ الذي أشار إليه بقوله : «مضافا» فحاصله : هو منع الصغرى أعني : بها ملازمة الظن بصدور ذي المزية للظن بكذب فاقدها ، بتقريب : أن هذه الملازمة تختص بما إذا علم إجمالا بكذب أحد الخبرين ، ضرورة : أن الظن بصدق أحدهما ـ مع العلم الإجمالي ـ يوجب لا محالة وهن احتمال صدور الآخر كالظن بانطباق النجس المعلوم إجمالا على أحد الإناءين الذين علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، حيث إن هذا الظن يلازم مرجوحية احتمال انطباقه على الإناء الآخر.
وأما إذا لم يعلم بكذب أحد الخبرين ، وكان كل منهما في نفسه واجدا لشرائط