إن قلت (١) : إن الأصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقية ، كما يقتضي ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما ، فيكون هذا المرجّح (٢) نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور.
قلت (٣) : لا معنى للتعبد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقية ، لأنه إلغاء لأحدهما في الحقيقة.
______________________________________________________
بصدورهما معا ، لفرض تساويهما من حيث شمول دليل الحجيّة لهما ـ فلا مورد لهذا المرجّح الجهتي في المتفاضلين ؛ كما هو مورد البحث ؛ لعدم شمول دليل الحجية إلّا لخصوص ذي المرجّح الصدوري ، دون فاقده حتى تلاحظ جهة صدوره. وعليه : فيقدم ذو المرجح الصدوري ـ وإن كان موافقا للعامة ـ على غيره وإن كان مخالفا لهم.
(١) محصل هذا الإشكال : الذي أورده الشيخ «قدسسره» على نفسه هو : أن في تقديم المرجّح الصدوري على الجهتي محذورا ، وهو : تخصيص عموم أدلة حجيّة الخبر ، حيث إن مقتضى هذا التقديم عدم شمولها للخبر المخالف للعامة ، فلا بد من الالتزام بحجيّة كلا الخبرين وصدورهما معا كما هو مقتضى عموم أدلة حجيّة الخبر ، ثم التصرف في الخبر الموافق للعامة بحمله على التقية. نظير شمول أدلة اعتبار الخبر للظاهر والأظهر ، والتصرف في الظاهر بحمله على الأظهر ، فكما يصح التعبد بصدور الظاهر مع فرض عدم العمل به ؛ للزوم حمله على الأظهر ، ولا يقتضي هذا الحمل لغوية التعبّد بدليل حجيّة خبر الواحد ، فكذا في مورد موافقة أحد الخبرين للعامة وصدوره تقية ، فإنه يتعبّد بصدوره ولو لم يجز العمل بمضمونه فعلا ؛ لاختصاص مشروعيته بحال التقية.
وعليه : فتكون مخالفة العامة نظير المرجّح الدلالي في التقدم على المرجح الصدوري.
(٢) أي : المرجّح الجهتي ، وقوله : «أضعفهما» أي : أضعف الخبرين دلالة.
(٣) هذا دفع الإشكال : ومحصله : عدم صحة قياس المقام بالظاهر والأظهر ؛ وذلك للفرق الواضح بينهما ، حيث إنه لا يرفع اليد عن الظاهر رأسا حتى لا يشمله دليل الحجية ؛ بل يتصرف في دلالته في الجملة كالعام الذي يتصرف فيه بالخاص ، فدليل الحجية يشمل كلا من الظاهر والأظهر بلا إشكال.
وهذا بخلاف المتفاضلين ، فإن دليل الحجية لا يشمل الخبر الموافق للعامة ؛ إذ لا أثر لشموله له إلّا إسقاطه ورفع اليد عنه رأسا وهذا هو الطرح لا الحجيّة.
وبالجملة : فالدليلان اللذان يكون بينهما جمع عرفي يشملهما دليل الحجيّة لعدم