وأمّا المقدّمة الثانية ، فهي ـ أيضا ـ ثابتة بأصالة عدم صدور الرواية لغير داعي بيان الحكم الواقعي ، وهي حجّة ، لرجوعها إلى القاعدة المجمع عليها بين العلماء والعقلاء ، من حمل كلام المتكلّم على كونه صادرا لبيان مطلوبه الواقعي ، لا لبيان خلاف مقصوده من تقيّة أو خوف ؛ ولذا لا تسمع دعواه ممّن يدّعيه إذا لم يكن كلامه محفوفا بأماراته.
____________________________________
فممّا لم يثبت اعتباره وحجّيته.
(وأمّا المقدمة الثانية ، فهي ـ أيضا ـ ثابتة بأصالة عدم صدور الرواية لغير داعي بيان الحكم الواقعي ...) إنّ صدور الأخبار والروايات لبيان الحكم الواقعي يكون ممّا تحقّقت عليه سيرة العقلاء على حمل الكلام الصادر من كل متكلّم على أنّه صادر لبيان المراد الجدّي ، لا لداع آخر كالسخرية والمزاح والامتحان من العقلاء ، أو كالتقية والخوف في الكلام الصادر عن المعصوم عليهالسلام.
والحاصل أنّ الكلام ـ غالبا ـ يصدر من المتكلّم لبيان ما هو مراده الواقعي ، وقد يصدر لداع آخر كالمزاح والسخرية وغيرهما ، فما يدلّ من حال أو مقال على أن الكلام الصادر من متكلّم يكون لداع آخر لا لبيان مراده الجدي يؤخذ به ، وإلّا يحمل على كونه لبيان مراده الواقعي.
وكذلك في المقام ، إذا لم يكن هناك قرينة على كون الكلام صادرا عن المعصوم تقية يحمل على أنه صادر لبيان الحكم الواقعي ، (لا لتقية) وهو : خوف الإمام على شيعته ، (أو خوف) وهو خوفه عليهالسلام على نفسه.
وفي بعض النسخ يكون (واو) بدل (أو) ، أي : (من تقية وخوف) ، فيكون الثاني عطفا تفسيريا للأول ، ويكون المراد من التقية والخوف ما هو الأعمّ من الخوف على نفسه وشيعته.
(ولذا لا تسمع دعواه ممّن يدّعيه) لكون مقتضى الأصل العقلائي هو صدور الكلام لبيان الواقع وما هو المراد الجدّي لا لمزاح وغيره ، ولذا لا يسمع من المتكلّم دعوى إرادة خلاف المقصود من ظاهر كلامه حينما يقول : لم يكن كلامي لبيان المراد الجدّي ، بل تكلّمت به مزاحا(إذا لم يكن كلامه محفوفا بأماراته) ، أي : المزاح ، ثم يقول المصنّف رحمهالله بعد بيان المقدمات الثلاث : إنّ محل النزاع هي المقدمة الاولى.