فيقال فيه : لا قائل بأن طلب سليمان عليهالسلام : ( ملكا لا ينبغي لأحد ) كان فيه منقصة عليه حتى يزعم هذا أن ذلك لا منقصة فيه ، وليس معنى تفضيل عليّ عليهالسلام على الأنبياء عليهمالسلام لقيام النصّ على تفضيله أن يكون ذلك نقصا فيهم ، وإلاّ لزم من تفضيل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عليهم أن يكون ذلك نقصا فيهم ، بل ويلزم أن يكون في تفضيل الله بعض الرسل على بعض نقص عليهم عليهالسلام لقوله تعالى : ( تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ ) [ البقرة : ٢٥٣ ] وقوله تعالى : ( وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ ) [ الإسراء : ٥٥ ] وهذا ما لا يقول به ذو دين ، وإنما نقول إن تطليق الدنيا والزهد فيها مع القدرة على تحصيلها ولو بطلب ذلك من الله تعالى ـ لا سيّما من مثل عليّ عليهالسلام مثال الإيمان والإخلاص لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم والخيرة التي اختارها الله من أهل الأرضين أجمعين ـ لأعظم مزية فيه تفضله على من طلبها في المباح بل في الراجح شرعا ، بل لو كان يلزم من طلب سليمان عليهالسلام الملك ولو لأجل أن يكون معجزة على ثبوت نبوّته ـ كما يزعم ـ أن يكون أفضل ممن ليس له ذلك ، ولو كان قادرا على تحصيله بالطلب من الله لكان سليمان عليهالسلام أفضل من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أيضا ممن طلّق الدنيا وزهد فيها كما يعرف ذلك المتتبعون لسيرته وحاله صلىاللهعليهوآلهوسلم بل يلزم أن يكون أفضل من جميع الأنبياء عليهمالسلام لأنهم أيضا زهدوا فيها مع أنهم قادرون على تحصيلها.
على أن طلب سعة الملك لا يمكن أن يكون معجزة على ثبوت النبوّة مطلقا ، إذ لو كان يلزم من سعة الملك واتساع نطاقه على الإطلاق أن يكون إعجازا على ثبوت النبوّة لزم أن يكون الكثير من أعداء أنبياء الله كشدّاد الّذي ملك شرق الأرض وغربها ، وفرعون الّذي دعاه سعة سلطانه واتساع سلطته وعظيم طغيانه إلى دعوى الربوبية ، وفي القرآن يقول الله تعالى : ( إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) [ القصص : ٧٦ ] ويقول الحافظ ـ عند أهل السنّة ـ السّيوطي في الدر المنثور ( ص : ١٣٦ و ١٣٧ ) من جزئه الخامس : إن مفاتيح خزائن قارون كانت تنوف على حمل أربعين بعيرا ، فليس سعة الملك أو طلب سعته من حيث هو مطلقا يكون إعجازا لإثبات النبوّة لوجودها عند كثيرين من الكافرين بالله ، وشرط الإعجاز ألاّ يكون أحد من المخلوقين قادرا عليه.