( إن مريم ابنة عمران ما برحت في المسجد تعبد الله بفنون العبادة ، وكانت لا تخرج من المسجد إلاّ في زمن حيضها أو لحاجة ضرورية لا بد منها ، ولمّا جاءها المخاض وألجأها الطلق اضطرت إلى الخروج منه والذهاب إلى جذع النخلة حيث يكون محلّ ولادتها ) ويشهد لهذا قوله في ( ص : ٦٥ ) عند قوله : ( فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا ) : أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى فيكون مجيء الطلق لها وهي كذلك ما ألجأها إلى الخروج منه إلى هنالك حيث يكون موضع وضعها.
وأما قوله : « وأما القول بأنه قد أوحي إلى فاطمة بنت أسد (رض) بأن تضع في الكعبة فقول يضحك الثكلى ».
فيقال فيه : إن أراد أنه لا جائز أن يوحى إليها بذلك لامتناعه عقلا ففاسد جدا لعدم امتناعه ، وإلاّ لامتنع قوله تعالى : ( وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى ) [ القصص : ٧ ] وقوله تعالى : ( وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ ) [ النحل : ٦٨ ] وقوله تعالى : ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا ) [ المائدة : ١١١ ] وقوله تعالى مخاطبا موسى عليهالسلام : ( إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى ) [ طه : ٣٨ ] وقوله تعالى فيما حكاه عن زكريا : ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ ) [ مريم : ١١ ] فلو كان ذلك يضحك الثكلى وتضع منه الحبلى ـ على حد تعبير الآلوسي ـ كانت هذه الآيات كلّها تضحك الثكلى ، وهو كفر صريح لا ينطق به إلاّ كافر ، وإن أراد أنه لم يثبت أنه قد أوحي إليها ففاسد أيضا ، وذلك لوروده عن أهل البيت النبويّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.
الّذين قد عرفت غير مرّة أن كلّ ما يأتي عنهم عليهمالسلام فهو الهدى والحق ولا محذور فيه إطلاقا ، ولعلّ الآلوسي فهم من قول القائل : وقد أوحي إلى فاطمة بنت أسد عليهالسلام أنه يريد وحي النبوّة الممتنع بعد ختم النبوّة بنبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم لذا حكم جاهلا بأنه يضحك الثكلى دون أن يهتدي إلى أن هذا الوحي إليها هو كالوحي إلى أم موسى عليهالسلام لا وحي النبوّة لوضوح بطلانه عند من فهم ووعي.