الثالث : لو كان يريد به القرآن لوجب على أعيان المكلفين أجمعين تعلّم القرآن ، والتالي باطل بالضرورة لا سيّما عند الإمام أبي حنيفة الّذي ثبت عنه أنه لا يوجب حتّى الفاتحة منه.
الرابع : إن قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم في حديث : ( إنّي مخلّف فيكم أمرين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) أوضح دليل على أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم يريد بالإمام معناه المطابقي المعروف وهو من يقوم مقامه بأمر الأمة في الدين والدنيا ، ويؤكد هذا ما في غيره من الأحاديث كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما مر : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( من خرج عن السّلطان شبرا ومات فقد مات ميتة جاهلية ) فإنه لا يفهم منه في أيّ محاورة ولسان أنه يريد القرآن لأنّه لا يفيده.
ثانيا : قوله : « وليس المتمسّك بهذين الحبلين إلاّ أهل السنة ».
فيقال : نحن لا نشك في أن الآلوسي نفسه يعلم كذبه وافتراءه في هذا الأمر ، ولكن يحاول عبثا أن يستر الحقيقة بهذا التمويه المكشوف عن وجه أبناء المسلمين.
ونحن نقف هنا قليلا ونسأل الآلوسي ، فنقول له : بما ذا يا ترى تمسّك أهل السّنة بهذين الحبلين؟ أتراهم تمسّكوا بهما بقولهم في سيّد النبيّين ( يهجر ) عند ما أمرهم بأن يأتوه بدواة وكتف ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا ، فقال ـ الخليفة ـ عمر (رض) : إن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ليهجر ، أو قال ما معناه : غلبه الوجع (١) حسبنا كتاب الله فالتعويل عليه ، أي أنه يتكلم بكلام المرضى وهو عين قوله فيه يهجر ، وكتاب الله يقول في وصف نبيّه : ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) ويقول تعالى : ( ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ الحشر : ٧ ].
__________________
(١) وقد أبدل أولياء الخليفة كلمة ( يهجر ) مع ثبوتها في صحاحهم إلى كلمة ( غلبه الوجع ) ليرفعوا بذلك ما فيها من الاستهجان دون أن ينتبهوا إلى أن ذلك لم يغيّر شيئا من معناها ، لأن معناها أنه يتكلم بكلام المرضى وهو عين الهذيان والهذر في قول عمر (رض) ( وهل يصلح العطّار ما أفسد الدهر ).