أن يحشروا أنوفهم فيما لا يعرفون وهم يدرون ، ولكن الجاهل المغرور يتقحم فيما لا يعلم ويلج فيما لا يدري وهذا شأنهم في كلّ أمة وفي كلّ مصر ، فإنهم يضعون أنفسهم مواضع العلماء فيضعون على رءوسهم شعار أهل العلم يغرون به العوام ورجرجة الناس.
ومن المؤكد أن أولئك العامة من الأمة لو كانوا يعلمون فراغه من كلّ علم وامتلاءه بكلّ جهل لولّوا منهم فرارا ، ولألبسوهم شعار الخزي والعار والفضيحة والشنار ، ولعرفوا أنهم جاهلون وأنهم خالو الوطاب فارغوا الجراب.
أما جواب ما هذر به هاهنا فهو ـ وإن كان لعمر الله ليس جديرا بالجواب ـ إذ لا جواب للهذيان والتناقض ، ومع ذلك فإنّا نجيبه توضيحا لما ارتكبه من الهراء.
أما قوله : ( فلأنه إن كانت الصّفات لازمة للذات لزم اجتماع النقيضين ).
فيقال فيه :
أولا : ما قلناه في إيرادنا على أول الوجوه من أن صفة العدل والظّلم والنقص والكمال التي اعترف الآلوسي بأن العقل حاكم بالحسن والقبح فيها إمّا أن تكون لازمة للذات أو لا ، فعلى الأول يلزم اجتماع النقيضين والصّدور والتخلّف إلى نهاية ما زعمه واردا على هذا القول وعلى الثاني كذلك ، فهو إمّا أن يقول بصحة هذيانه هنا أو بصحة قوله هناك من حكم العقل بهما ، فعلى الأول يبطل قوله الثاني هناك وعلى الثاني يبطل قوله الأول هنا ، ولو لم يكن لنا إلاّ تناقضه هذا الدالّ بدلالته على فساد قوليه لكفانا مؤنة الردّ عليه وبطلان ما ذهب إليه.
ثانيا : ليست الصّفات المتّصفة بها الذّات من لوازمها حتّى يستلزمها اجتماع النقيضين ، وإنما هي صفات لا حقة للذات مقتضية لحكم العقل بحسنه أو قبحه بحسب الاقتضاء كالصّدق والعدل والحياء ونحوها من الصّفات العارضة على الذوات المقتضية لحكم العقل البديهي بمدح صاحبها ، وعلى عكسه ينعكس حكمه كما لو اتّصف بالكذب والخيانة والظّلم وخبث الحصانة فإنها تقتضي حكم العقل بذمه وطرده وتبعيده وعقابه.