تعلّق الرؤية به بالمرّة ، وإنما المتعلّق به الرؤية هي الموجودات الخارجية التي هي من أفراد ذلك المفهوم ؛ أعني كلّي الوجود الصّادق على كلّ موجود منها ، المتشخصة في كون الوجود بخصوصياتها ، والوجود من حيث هو لا يمكن أن يرى بباصرة العين أبدا ، فإن كلامنا كان في رؤية الله تعالى بوجوده الخاص الّذي هو عين حقيقته وكنهه وما هو إنيّته في كون الوجود كرؤية غيره من الموجودات الممكنة ، ولم يكن الكلام في رؤية مطلق الوجود على فرض إمكان رؤيته فإنه خارج موضوعا عن محلّ النزاع ، فما زعمه الخصم من إمكان رؤية مطلق الوجود المستحيل لإثبات رؤية الله المستحيل هو الآخر عقلا من أوضح الدليل على خبطه وخلطه وخروجه عن الموضوع ، والخروج عن الموضوع آية الهزيمة وملجأ الهارب.
ثانيا : رؤية المطلق على فرض إمكانه لا يكون من الرؤية لأفراده الخاصة ومصاديقه الجزئية الخارجية ، بل رؤية المطلق من كلّ شيء لو أمكن لا يكون من الرؤية لأفراده في شيء إطلاقا.
ولنفرض ـ وفرض المحال ليس بمحال كما يقال ـ إنه يمكن رؤية مطلق الحيوان إلاّ أن رؤيته لا تكون رؤية للإنسان ، أو أنه يمكن رؤية مطلق الإنسان إلاّ أن رؤيته لا تكون رؤية أفراده كزيد وخالد وغيرهما من أفراده في الخارج ، بل رؤية بعضها لا تكون للبعض الآخر ، وهذا في البداهة إلى درجة لا يشك فيه أي إنسان له عقل.
والآلوسي لما تفطن إلى فساد هذا القول وأنه مما يأباه العقل والعقلاء ولا يقرره إلاّ المصاب في عقله قال : ( وبالجملة إن المعتمد في مسألة الرؤية هو الإجماع ) فأبطل بقوله هذا جميع ما جاء به أولا وآخرا من الباطل لإثبات مذهبه ، وليته تفطن إلى أن الإجماع الّذي ادّعاه هنا لإثبات رؤية الله أشدّ سقوطا وفسادا من تلك المزاعم الفاسدة ، وذلك لأن الإجماع لو سلّمنا جدلا وجوده فهو لا قيمة له في أمثال هذه المسائل العقلية ، لا سيّما أنّ العقل حاكم جزما بامتناع رؤيته ، والقرآن صريح في امتناعه وأن طالب رؤيته ظالم مستحق لإنزال الصّاعقة عليه كما