كنت في شك مما قلناه في عدم جواز إطاعة من لم يكن مختارا من الله لإمامة النّاس فهذا كتاب الله شاهد عدل على ما نقول ، قال تعالى لنبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم : ( قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ ) وفي هذا دلالة قوية وشهادة صريحة على أنه لا حجّة في قول من لم يقم دليل من الله ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم على حجيّة قوله ، وأنه لا يجوز الأخذ بأمره ونهيه ولا يجوز الانقياد إليه ، وحينئذ فلا دليل على جواز إطاعة من إقامة بعض النّاس في السّقيفة ولا حجّة في قوله ، ولا قيمة لأمره ونهيه بل الدليل قائم على عدم اعتباره من الكتاب والسنّة كما مرّ عليك بيانه ، ولأن اعتبار قوله على أساس إمامته موقوف على اعتبار قول المختارين له ، فلو توقف اعتبار قول المختارين له على اعتبار قوله على أساس خلافته لزم الدور الصريح ، فإذا بطل أن يكون قوله حجّة بطل أن يكون إماما لانتفاء الغرض من إمامته وهو وجوب الانقياد إليه وإطاعة أمره ونهيه وغير ذلك من فوائده اللاّزمة الموقوفة على حجيّة قوله واعتبار فعله شرعا ، ولأن الإمام من تجب إطاعته والآلوسي يزعم أنه ليس بواجب على الله تعالى تعيين من يجب انقياد النّاس إليه في الأحكام وغيرها ، فإذا لم يكن واجبا من الله لم يجب على النّاس تحصيل مقدماته والمختار من النّاس لا يعتد بقوله ولا فعله إطلاقا.
وخلاصة القول : إن الناس كلّهم تابعون لتصرف الشارع بهم فليس لهم ولا لآحادهم أن يتصرفوا بأقل ما يتصور في شئون أنفسهم ، فكيف يجوز أن يتصرفوا في شئون أنفس الآخرين وفي أموالهم وأعراضهم ودمائهم ، وفي القرآن يقول الله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ) فعموم نفي الخيرة لهم مطلقا من أقوى الأدلة على عدم اعتبار ما يختارونه مطلقا ، وغير المعتبر شرعا لا حجّة فيه أصلا وفرعا.
خامسا : قوله : « إذا تأملنا علمنا أن نصب الإمام من قبل الله تعالى يتضمن مفاسد كثيرة ».
فيقال فيه : إن ما زعمه هنا فاسد من وجهين :