وحدتكم وتفريق كلمتكم وتصديع كيانكم : ( وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً ) [ النحل : ٩٢ ] ، ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً ) [ آل عمران : ١٠٣ ] ونعمة الله هو إسلامه العظيم الّذي أمركم بالتوحيد وتوحيد الكلمة : ( وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ) [ الأنفال : ٤٦ ] ، ( وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : ١٠٥ ].
ومن المؤكد لدينا ومن خلال الحوادث التأريخية التي مرّت على هذه البسيطة بتداول الأيام وتعاقب الأجيال ، أن معظم الأمم السّالفة من القرون الخالية في العصور المتقدمة إنما استمرت قاعدة على هامات مجدها ، وغارب رقيّها ، وضخامة ملكها ، واتساع سلطتها ، وقوّة سلطانها زمنا طويلا من عمرها لمكان من فيها من أفذاذ الرجال وكبراء المصلحين الّذين غرسوا في نفوسهم جمع الكلمة ، وتوحيد الصف ، وتعارف الأرواح بين مختلف طبقاتهم وتباين مذاهبهم ، وتضارب أهوائهم ، وكانوا يطاردون داعية كلّ شحناء وبغضاء في أقصى البلاد وأدناها ، لئلاّ يؤدّي السّكوت عنها إلى انحلالهم واضمحلالهم ، وكانوا يحثونهم على الاتحاد والتعاضد في المصالح المشتركة ، وذلك لا شك في أنه عامل فعال من شأنه في الأقل أن يأخذ بيد تلك الأمة وهاتيك الشعوب وترفعها إلى أعلى مراتب المجد والرقي ، ولمّا كان الأمر على عكس ذلك في بعض القرون المنقرضة لم تلبث إلاّ أياما قليلة حتى أصبحت عبرة لغيرها من الأمم والشعوب المتأخرة ، وما ذاك إلاّ لقيام بعض المفسدين فيهم من أهل الأهواء والضلالات والنفوس الشريرة التي لا يهمها إلاّ إشباع رغباتها الفاسدة ولو على أشلاء الآخرين من أبناء الأمة ، فأعطوه المقادة وسلّموا إليه القيادة فانتزع منهم روح الإخاء والوحدة ، وبث فيهم روح العداء والنقمة ، فتدحرجت كرة عزّهم من جراء تلك الروح الخبيثة التي تسلقت إلى أدمغتهم بألسنة المكر والخداع ، فمزقت جسمهم ، ونخرت عظامهم ، وأنزلتهم إلى أعماق مهاوي الهوان والذّل والخسران : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) [ إبراهيم : ٢٨ و ٢٩ ].
فإلام يا قوم تقابلون اليقظة بالسّنة ، والنباهة بالبلاهة ، وحتام لا تثقف